أن ترتفع الأسعار في لبنان بنسبة 45.16 في المئة كما أُعلن أمس، يعني أنّ الشعب اللبناني بات في حالٍ مزرية جداً. لم نكن في حاجة الى أرقام وإحصاءات وأدلّة ثبوتية لنعرف أن غول الغلاء بدأ يلتهم قرش الناس. بل إن زيارة واحدة الى المتاجر تبين بوضوح أن النسبة الواردة أعلاه هي نسبة متواضعة قياساً الى الحقيقة وهي أن سلعاً عديدة، هي من ضروريات الحياة، قد ارتفع سعرها بنسبة 60٪ وسواها ممّا يراوح بين الضروريات والكماليات ارتفعت نسبته الى مئة في المئة.
أساساً، وفي الظروف الطبيعية، فإنّ اللبناني عاجزٌ عن أن يواجه تكاليف الحياة. وأن المرتبات والتعويضات الشهرية والمداخيل اليومية للعمال المياومين لم تكن على مستوى احتياجات الفرد والأسرة في لبنان. وحتى المداخيل المتوسطة لم تكن تغطي أكثر من عشرة أيام من مستلزمات النفقات الشهرية.
وكم كان مؤلماً ما أعلنه المسؤول في أحد الصناديق الدولية أمس عن أنّ 45٪ من الشعب اللبناني بات فقيراً، وأنّ 10٪ من اللبنانيين هم في فقر مدقع بحيث أنهم لا يستطيعون تأمين كفاف يومهم من القوت!
إنها أرقام موجعة، بل مفجعة!
أهذا هو لبنان؟
أهؤلاء هم اللبنانيون؟
أهذا هو البلد الذي كان دخل الفرد فيه، ذات زمن، أعلى دخل فرد في المنطقة، بما فيها الدول المنتجة للنفط؟
والأنكى أن هذا الواقع المرّ يحدث ويتفاعل ويتفاقم في تزامن مع الأزمة المالية – النقدية في البلد وانعكاسها المروّع على الودائع ومدخرات اللبنانيين التي هي موجودة بالتأكيد في المصارف، ولكنها خارجة عن إرادة وقدرات أصحابها وخصوصاً أصحاب الودائع الصغيرة التي حدّدوها بـ75 ألف ليرة لبنانية أي 50 مليون ليرة. وفق السعر الرسمي، أمّا قيمتها الحقيقية حسب التعامل بالدولار لدى الصرافين فهي اليوم 20 ألف دولار، لتزم أكثر فأكثر يومياً اذا ما واصل الدولار ارتفاعه على حساب العملة الوطنية ليصل الى ثلاثة آلاف ليرة… وهو ماضٍ في هذا المسار من دون أن توقفه قرارات أو تدابير… وقد لا يكون بعيداً اليوم الذي تتجاوز وحدة العملة الخضراء تلك العتبة، وربّـما بأشواط. ما يعني أنه لن يستطيع أحدٌ أن يبقى واقفاً على رجليه إلاّ أولئك الذين «هرّبوا» أموالهم الى الخارج كما يتهمونهم. أو «حوّلوها قانونياً» الى الخارج كما يقولون هم.
وفي أي حال، فإننا ماضون الى أيام في غاية الصعوبة وربّـما الاستحالة، يغيب فيها هذا الوطن إلى لا رجوع، لتبقى منه مجرّد ذكرى عن وطن الهناء والرخاء والازدهار والصفاء، من أسف دونما أي كوة في أفق مستقبل «يبشّروننا» بأنه سيكون «مؤلماً» و«موجعاً».