يقول مسؤول مسيحي كبير سابق في لبنان إن ما يشهده البلد من جنوح القوة المسيحية النافذة حاليا والمتمثلة بـ “التيار الوطني الحر” ورئيسه الوزير جبران باسيل للسيطرة على مفاصل رئيسة في البلد وعلى المؤسسات الرسمية، تحت عنوان: “استعادة حقوق المسيحيين”، سيتسبب بعداوات وخصومات لهذا الفريق، من المؤكد أنها ستنعكس وبالاً عليه وعلى المسيحيين ودورهم في التوازنات اللبنانية بعد بضع سنوات.
ينطلق المسؤول المسيحي السابق، من أن الفرضية القائلة إن فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه الوزير باسيل يستقوي بحلفائه الإقليميين ولاسيما إيران و”حزب الله”، ليس فقط من أجل تضخيم طموحاته في السلطة ومراكزها الأساسية، بل أيضا من أجل الإمساك بمقدرات اقتصادية بالاستفادة من وجود الرئيس العماد ميشال عون في موقع الرئاسة ومن موازين قوى إقليمية يعتبرها لمصلحته، ترتبط في واقع الأمر بموازين متحركة ومتغيرة وملتبسة.
فقيادة الفريق الذي يتصدر تمثيل المسيحيين في هذه المرحلة، تتصرف في العمق، على أن موقع لبنان الإقليمي سيكون حيث ما سينتهي إليه الصراع في سورية، وأن بلاد الشام باتت تحت الهيمنة الروسية والإيرانية، وبالتالي لا بد له من أن يراعي نفوذ هاتين الدولتين من أجل أن يقضم عن طريق التقارب معهما ومع النظام في دمشق، ما يطمح إليه من خيرات السلطة، سواء كانت مواقع وتعيينات، أم شراكة في النفوذ الاقتصادي والمشاريع الكبرى، امتدادا نحو القطاع الخاص. فتحت شعارات من نوع “مكافحة الفساد”، و”وقف الهدر في مالية الدولة”، و”تحقيق الإنماء المتوازن بين المناطق اللبنانية” و”إزالة الغبن” عن بعض هذه المناطق، يتم تأهيل الدائرة الضيقة لهذا الفريق، من أجل احتلال مواقع متقدمة في القرار الاقتصادي، على حساب دور مسيحي تاريخي لعبته شرائح اجتماعية غنية، أسهمت في ازدهار الاقتصاد اللبناني على مر العقود. هنا، يصبح مطلب استعادة الحقوق مطية للقفز إلى الارتقاء نحو مرتبة أعلى في الثروة والمكاسب المالية الضخمة، المدعومة بالنفوذ في السلطة. فلسان حال هذا الفريق أن “ما حدا أحسن من حدا”، وهو مثل لبناني باللغة الدارجة يستخدم للتعبير عن النهم إلى النِعم التي يدرها التربع على مقاعد السلطة.
قد يكون مبرراً لهذا الفريق أن يشيح النظر عن تعثر وتراجع كل حفلة الترويج السابقة لانتصار المحور الحليف له في سورية، التي استخدمها من أجل الضغط لحمل شركائه اللبنانيين على الانفتاح على النظام السوري، ومن أجل تسليف حلفائه الإقليميين مواقف يستدرج مقابلها مزيدا من الدعم لطموحاته الداخلية. إلا أن الوهم حول محاسن الاصطفاف الإقليمي مع فريق ضد آخر شيء، وواقع الأمور شيء آخر. فلا سورية تحولت منطقة نفوذ روسي وإيراني في ظل التنافس بين موسكو وطهران على تثبيت دور كل منهما في القرار في دمشق، ولا الأخيرة استطاعت الخروج من حالة الحرب والفئوية والحصار، والعجز عن إدارة الدولة المركزية منذ العام 2011، وعن إثبات الانتصار الموهوم على الشعب السوري.
بات الإنكار الذي يتمتع بموهبته رأس النظام السوري لما تعنيه بلاده، حالة إنكار لواقع الحال لدى حلفائه اللبنانيين ومنهم “حزب الله”، الذين دعوا خصومهم اللبنانيين عشرات المرات إلى استلحاق أنفسهم من أجل المشاركة في خيرات إعادة إعمار سورية والتقرب من الحكم فيها قبل فوات الأوان.
تحول الترويج لهذا الانتصار الموعود إلى ما يشبه جنون عظمة لدى هذا الفريق، الذي بلغ استضعاف شركائه في الحكم، حد تجاهلهم إلى درجة جعل شرائح سياسية واجتماعية تشعر بالإهانة.
قد يكون “حزب الله” منشرحاً من موقع المتفرج على خوض حليفه “التيار الحر” صراعاً مع رئيس الحكومة لتقليم أظافره في هذه المرحلة، طالما أن هذا الحليف لا يعاكسه في لعبته التصرف كأداة صرفة لإيران في الصراع الأكبر الذي تخوضه مع الولايات المتحدة ودول الخليج. لكن هناك في الحزب من يرصد في الوقت ذاته آثار النهم الذي يتحكم بالحليف نحو السلطة بكل أنواعها السياسية والأمنية والاقتصادية، على الموازين المستقبلية، ومدى الضرر الذي سينجم عن هذا التحكم في علاقاته بالمكونات اللبنانية الأخرى قاطبة، على المديين المتوسط والبعيد، نتيجة غضه النظر عن الجموح نحو استعادة أمجاد المارونية السياسية. فمع غلبة الصفة الإيرانية على الحزب في الظروف الراهنة، لا بد لبعض قيادته، ولجزء من جمهوره، أن يلتفتوا إلى ما ستؤول إليه الأمور عندما “يعود” إلى تغليب صفته اللبنانية.
على فريق السلطة الجامح أن ينظر حوله وإلى ما يدور في العالم، وعلى فريق الحزب المنشرح أن يحتاط للأسوأ، إذ لا ينفعه التسبب بتخريب التوازنات اللبنانية.