عندما يُغرق «حزب الله» نفسه في حرب هو نفسه لا يعرف متى ستكون نهايتها وعلى أي شاكلة، وعندما يُصبح عاجزاً عن ترجمة وعود «النصر» التي ما زالت تُرافق خطابات قادته منذ اللحظة الأولى لدخوله في الحرب السورية، وعندما يُصبح في خندق واحد مع الإيراني والروسي، أحد أبرز ضُبّاط إيقاع الحرب السورية إلى جانب الأميركي والإسرائيلي، وعندما يعجز عن منع الموت عن عناصره وكوادره أو حتّى حمايتهم، عندها لا يجد أمامه سوى شعارات وخلق روايات ليتلطّى خلفها، علّه يتمكّن من خلالها من سحب نفسه من المستنقع الذي أوقع نفسه فيه. ومن هذه الشعارات، جملة لا ينفك عن تذكير اللبنانيين بها «دخلنا الحرب السورية للدفاع عن لبنان».
يُحاول «حزب الله» تحميل اللبنانيين عموماً وأبناء طائفته خصوصاً، وزر الحرب التي أُجبر على دخولها بأمر إيراني، إذ لا يفوّت فرصة إلا ويُطلق من خلالها إنشودته الممجوجة التي تحمل عنوان «الحرب لأجلكم». وآخر إبداعات العزف على الوتر نفسه، جاء أمس على لسان نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ علي دعموش الذي أعاد توزيع «النشيد» بشكل يتماشى مع المرحلة الحالية بقوله أن «مشاركة حزب الله في مواجهة الإرهاب التكفيري في سوريا كانت من أجل الدفاع عن لبنان وحمايته وتحصين أمنه واستقراره، لأن أمن لبنان يرتبط بأمن سوريا»، معتبراً «أننا لو لم نواجه الارهاب في سوريا لكانت المعركة في قلب لبنان».
لا يعرف «حزب الله» من أين يبدأ في عملية رفع «الأنقاض» عن تورطّه في الحرب السورية التي سحبت من رصيده السياسي والاجتماعي والعسكري وحتى المذهبي من جرّاء الخسارات التي ما زال يتعرض لها في أكثر من منطقة سوريّة. فتارة يركن أسباب تدخله للوجود «التكفيري» عند الحدود والتهديد الذي يُمثله بالنسبة إلى أهالي القرى الحدودية، وطوراً يذهب إلى التأكيد بأن الهدف الأساسي كان حماية المقدسات. واليوم تكر سبحة الأعذار بـ «حماية لبنان واستقراره» والربط بين الأمن في لبنان بالأمن في سوريا، مستعيداً من قاموس «البعث» مقولة كان أطلقها حافظ الأسد على مدرج جامعة دمشق في 20 تموز 1976 في معرض تبريره مبرراً اجتياح قواته للبنان: «سوريا ولبنان عبر التاريخ، بلد واحد وشعب واحد».
المستغرب في كلام دعموش، إعتباره أن امن لبنان مُرتبط بامن سوريا، وبالطبع هو لا يقصد سوريا الثوار ولا الشعب، إنما يعني سوريا النظام، سوريا بشار الأسد الذي فتك بشعبه وقتل أطفال وطنه ولا يزال يستعرض كل مخازن أسلحته الكيمياوية بين الأحياء الفقيرة ويتلذّذ بصور الجثث الممددة على الطرق وعلى أبواب المستشفيات والمدارس. وهل سأل دعموش نفسه عن معنى الأمن الذي يتحدث عنه يوم استهدف نظام الأسد خيرة قادة لبنان بدءاً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصولاً إلى إغتيال الوزير محمد شطح؟ وهل يجرؤ على مساءلة نظام القتل عن الأسباب التي دعته لتفجير مسجدي «التقوى» و«السلام» وقتل المصلين؟ وهل بإمكانه اليوم أن يطرح مُجرّد سؤال حول عمليات التفجير في لبنان، التي كان كُلّف بها الوزير السابق ميشال سماحة بأوامر من أعلى رموز في نظام الأسد، بهدف إحداث فتنة مذهبية وطائفية؟ بالطبع لا ولن يستطيع.
بكل تأكيد، يحاول «حزب الله» قدر المُستطاع، الإبتعاد أو التهرّب عن لُبّ المُشكلة التي يُعاني منها وهي انزلاقه في الحرب السوريّة وتحوّله إلى جزء أساسي من الأزمة في هذا البلد المُشتعل. وغالباً ما يوقعه هذا التهرّب، في الكثير من المُغالطات والمطبّات وبالتالي افتضاح السياسة التي ينتهجها خصوصاً لجهة الدور الذي يقوم به ويُغرق في سبيله أبناء طائفته بالدماء، ويُقوّض ركائز السلم الأهلي في لبنان، وتظهر هذه السياسة من خلال دفاعه المُستميت عن إيران وسياستها ومصالحها في المنطقة. الأمر الذي يُبرز عمق العلاقة العضوية التي تربطه بإيران وحرسها الثوري، والتبعية العمياء لقرارات «المُرشد» وتحوّله إلى جُندي في «ولاية الفقيه» ودخوله في حروب تحت مسمّى، الوكيل بالنيابة عن الأصيل. وهذا الأصيل لم ينبس ببنتِ شفة، لا هو ولا النظام القاتل، عندما استهدفت إسرائيل فجر أمس، مستودع ذخيرة يستخدمه حلفاء إيران وعلى رأسهم «حزب الله» في قاعدة جوية بالقرب من مطار دمشق الدولي.
ومن جملة المشاريع التي استدعت دخول «حزب الله» على خط الأزمة السوريّة بطلب مباشر من المرشد «الخامنئي»، كان اقتطاع قرى وبلدات سوريّة بحالها تقع بمحاذاة سلسلة جبال لبنان الشرقية المعروفة بجبال «القلمون» المُمتدة من السهل المحيط بمدينة حمص السورية شمالاً حتى جبل الشيخ في مرتفعات الجولان السورية جنوباً. والاطماع هذه لم تعد اليوم مُجرّد حلم بالنسبة إلى الحزب ولا حبراً على ورق، بل أصبحت ناجزة منذ أن تنازل له الأسد الإبن عنها يوم قال «سوريا لمن يُدافع عنها، وليس لمن يحمل جنسيتها».
وفي خلاصة التدخل الفاضح في سوريا المعطوف على «مشروع» إيراني في المنطقة يتجاوز حدود الأرض المشتعلة والمعارك الدائرة هناك، يُحذّر قيادي سابق في «حزب الله» من أن الحزب الذي شارك في الفتنة السورية منذ بدايتها أي قبل ولادة التيارات المتشددة بسنوات تحت حجج وتبريرات متعددة ومتنوعة، سيحمل إرث الكثير من الدماء في سوريا ولبنان، على الرغم من أنه حتّى الساعة يُمكنه تجنّب الخسائر المتزايدة في الحرب وتجنب تبعات الفتنة المذهبية على شيعة لبنان، من خلال إنسحابه من سوريا». ثم يعود ويقول: «للأسف، فقرار الإنسحاب موجود في طهران التي تختلف حساباتها عن حسابات لبنان وشيعته».