عندما تألف “الحلف الثلاثي” من شمعون والجميل وإده لم يتألف من أجل الاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية أو على تعيينات في مراكز قيادية في الدولة ولا حتى من أجل الحصول على وزارات سيادية او خدماتية مميزة، انما من اجل درء خطر كان داهماً على لبنان وجوداً وكياناً وهوية، ما جعلهم يضعون خلافاتهم حول الشؤون الداخلية والشخصية جانباً. فالمد الناصري كان ذاك الخطر عندما ضم الرئيس جمال عبد الناصر سوريا الى الجمهورية العربية المصرية ومحاولة ضم غيرها من الدول تحقيقاً لحلم “الوحدة العربية” التي كان لها جمهور واسع. فكان لا بد للقيادات المسيحية، وتحديداً المارونية، من أن تتوحد لمواجهة هذا الخطر، ليس بتأليف هذا الحلف فقط، انما بتأليف حكومة تمثّل فيها حتى الحزب القومي السوري الاجتماعي بوزير الى جانب ممثل لحزب الكتائب على رغم ما بينهما من خلافات عقائدية. لكن الحرص على لبنان سيداً حراً مستقلاً له الاولوية وهو الذي جمعهما في حكومة واحدة.
ومن أجل درء خطر المد الناصري عن لبنان شكّل “الحلف الثلاثي” بعد قيامه لوائح مشتركة خاض بها الانتخابات النيابية. وقد اكتسحت هذه اللوائح كل المقاعد النيابية في جبل لبنان لأن تلك الانتخابات كانت تخاض بين مؤيدي المد الناصري ومناهضيه، فكان الفوز بالاكثرية النيابية لـ”الحلف الثلاثي” ومن معه. وساعد إعلان سوريا الانفصال عن الوحدة مع الجمهورية المصرية على إبعاد الخطر عن لبنان وانتهى وجود “الحلف الثلاثي” مع انتهاء المد الناصري في المنطقة.
إن المطلوب من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع ليس الاتفاق على “اعلان نيات” حول عدد من المشاريع التي تبقي على رغم اهميتها أقل اهمية من “اعلان نيات” حول الانتخابات الرئاسية، فلبنان من دون رئيس يُبقي هذه المشاريع حبراً على ورق، والمطلوب منهما ايضاً توحيد الموقف من خطر التوسع الايراني في المنطقة والذي لا يقل خطراً عن المد الناصري في حينه. فكيف يمكن زعيمين مارونيين ان يتفقا على حماية لبنان من الخطر الخارجي ولكل منهما رأي يختلف عن الآخر في التوسع الايراني؟ فالعماد عون لا يرى فيه خطراً على لبنان وجوداً وهوية وكياناً ونظاماً، في حين يرى الدكتور جعجع خلاف ذلك. ويرى عون، من جهة اخرى، ان سلاح “حزب الله” هو قوة للبنان واستخدامه في سوريا منع وصول “الداعشيين” والتكفيريين الى لبنان، وأوجد توازن رعب مع اسرائيل، فيما يرى جعجع ان لا قيام لدولة قوية مع وجود سلاح خارجها، وان القوات المسلحة للدولة هي وحدها المسؤولة عن حماية الحدود والتصدي لأي عدوان وحماية اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم وإلا سادت قاعدة “الأمن الذاتي” التي تشعل الحروب الداخلية في كل لبنان وهو ما حصل عام 1975. فلا بد للعماد عون وللدكتور جعجع إذاً من ان يكون موقفهما واحداً من المشروع الايراني ومن سلاح “حزب الله” كي يصبح في امكانهما اقامة حلف او تحالف يجمع قيادات مسيحية واسلامية تؤيد هذا الموقف، وليصير في الامكان خوض الانتخابات النيابية على هذا الاساس والفوز بأكثرية المقاعد بحيث يصبح من حق هذه الاكثرية ان تحكم وتنفذ السياسة التي نالت ثقة الشعب على اساسها. أما القول ببقاء كل من العماد عون والدكتور جعجع على موقفه من السياسة الخارجية، ويكفي اتفاقهما على المواضيع التي وردت في “اعلان النيات”، فهو قول في غير محله ويجعل الخلاف بينهما يقع عاجلاً أو آجلاً، ولا سيما عندما تبدأ الحملات الانتخابية ولكل منهما سياسته وبرنامجه، إلا اذا كان كل منهما ينتظر نتائج صراع المحاور في المنطقة ليبني على الشيء مقتضاه.
الواقع ان ما جمع شمعون والجميل وإده في حلف واحد هو شعورهم بالخطر الناصري الذي كان يتهدد لبنان وجعلهم يخوضون الانتخابات النيابية في لوائح مشتركة وينتصرون فيها أياً يكن قانون الانتخاب. فالمطلوب إذاً من عون وجعجع توحيد نظرتهما الى مشروع التوسع الايراني كما توحدت حول مواضيع في “اعلان النيات”، واعتباره يشكل خطراً على هوية لبنان وعلى صيغة عيشه المشترك وسلمه الاهلي، وان عليهما ان يجعلا موقفهما واحداً من هذا المشروع قبل اي شيء آخر، حتى اذا ما توحد هذا الموقف استطاعا خوض الانتخابات النيابية مع احزاب اخرى تشعر مثلهما بهذا الخطر في لوائح مشتركة تضمن الفوز بأكثرية نيابية، وعندئذ يصير في الامكان إقرار المشاريع التي وردت في “اعلان النيات” وغيرها، وإلا ظلت حبراً على ورق مع أقلية وزارية ونيابية متفرقة.
لذلك فان “اعلان النيات” يبقى مجرد اعلان اذا لم يتوصل عون وجعجع الى رؤية مشتركة وموقف واحد من المشروع الايراني ومن سلاح “حزب الله”.