IMLebanon

التفاهم العوني ـ القواتي يفتح ذراعيه.. بلدياً

X

فجأة أعادت الأحزاب والقوى السياسية جدولة برامج اهتماماتها لتصبّ كلّ تركيزها على الخريطة البلدية والاختيارية من باب العمل على رسم قواعد الاستحقاق، وتحديداً التحالفية.

حتى اليوم، لا تزال الشكوك حاضرة في أذهان الناس و «كبار قومهم» حول إمكانية وقوع «أبغض الحلال» قبيل «ساعة الصفر»، أي التمديد للهيئات المحلية، طالما أنّ «المنطق» مفقود لدى الطبقة السياسية وبإمكانها أن تفعل ما تشاء من دون أن تستحي. ولكن هذا لا يحول دون غرق اللبنانيين، حزبيين وغير حزبيين، في «كشتبان» الاستحقاق البلدي الذي صار حدث وحديث الناس، بعدما اشتعلت منصات النقاش بين أولياء العائلات والعشائر والتيارات السياسية حول مصير المجالس البلدية والاختيارية على اختلاف أحجامها ومكانتها وتأثيرها على المشهد العام.

ولأنّ روزنامة الاستحقاقات وضعت الانتخابات البلدية في مقدّمة غيرها من المواعيد الدستورية، وتحديداً النيابية، والرئاسية افتراضاً، فقد ضاعف التنافس حول المجالس المحلية من أهمية معاركها ومحطاتها، واستطراداً من النتائج السياسية التي ستفرزها.

بهذا المعنى، صار للتفاهم بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» مكانة اضافية التحقت بغيرها من العناوين المشتركة التي تجمع خصمي الأمس، ليصيرا متفاهمين على الكثير من القضايا الكبيرة، ليثبتا كما سبق وأعلنا أنّ الرئاسة ليست هي وحدها ما يجمع بينهما، وإنما هي البداية لمسار طويل، ستكون الانتخابات البلدية أولى محطات اختباره على الأرض.

ولهذا كان الاعتقاد سائداً بأنّ التحالف العوني – القواتي، وهو أبرز متغيرات المشهد السياسي المحلي، من شأنه أن يعدّل في موازين القوى المسيحية، نظراً لقدرته على تشكيل موجة تأييد استثنائية وعارمة، لم يشهد لها التاريخ الحديث. حتى أنّ هناك مَن راح في تفكيره الى درجة التحذير من «تسونامي» عوني ـ قواتي قد يأكل أخضر البلديات ويابسها، تحت عنوان «الأكثرية المسيحية» التي تمثل السواد الأعظم من هذا الجمهور.

لوهلة من الزمن، ثمّة من ظنّ أنّ الحزبين المسيحيين الأكثر تمثيلاً لدى هذا الجمهور، قادران على لعب دور «قاشوش» بلدي، فيفرضان ما يريدان وكيفما يريدان من المجالس البلدية والاختيارية، ليس رغبة في وضع هذه الهيئات في الجيب فقط، وإنما تأكيداً على أنّهما أصحاب «الحق التمثيلي» للشارع المسيحي، وأنّهما قادران على إقفال البيوتات السياسية المحلية اذا أرادا ذلك.. وبالتالي فإنّ بداية رئاسة الجمهورية عندهما، كما نهايتها.

هكذا، فُهم مشروع التحالف بينهما على أنّه «إلغائي»، يراد منه أزاحة كل الآخرين، سواء من صنف الأحزاب أو العائلات السياسية أو الزعامات المحلية، ليكون «التيار الوطني الحر» و «القوات» سيّدَيْ الأرض من دون منازع أو شريك.

ولكن حين وضعت الطبخات البلدية على النار، بدا أنّ هذا المشروع ليس سوى سيناريو خيالي، لأنّ الانغماس في مستنقع البلديات لا يشبه أبداً السباحة في بحر السياسة. للأولى مشقاتها وزواريبها المعقدة، وللثانية ترفها وأدبياتها. ولهذا صار باب النقاش مشرّعاً على مصراعيه.

هكذا، يبدو أنّ قرار إقفال الثنائي «المتفاهم» على نفسه، غير قائم، كما يؤكد النائب ابراهيم كنعان، معتبراً أنّ باب التشاور مع بقية القوى المسيحية مفتوح، لأنّ المطلوب ليس إلغاء الآخرين كما كان الاعتقاد سائداً، وإنما تعميم مبدأ التفاهم على الجميع، لتشكيل جبهة مسيحية إذا جاز التعبير، ولكن ليس بمواجهة أحد.

بتعبير آخر، يرى النائب المتني أنّ الاستحقاق البلدي سيكون فرصة لكسر الجليد مع الخصوم و «الحلفاء» على حدّ سواء، على قاعدة مدّ يد التعاون لتشكيل مجالس بلدية ممثلة للجميع، وفقاً لموازين القوى.

هذا لا يعني أبدأً أنّ شبكة التفاهمات، لا سيما في المدن الكبرى صارت جاهزة لـ «التقريش» العددي في أعضاء المجالس البلدية والاختيارية، لأنّ المسألة لا تزال قيد الاختبار والرسائل المشفّرة بين القوى المعنية بانتظار الأجوبة الحاسمة، وبالتالي الترجمة العملانية.

ولكن حتى اليوم، النيّة موجودة والرغبة قائمة في تحويل الاستحقاق البلدي من حلبة عراك مسيحي – مسيحي الى جسر عبور بين مكوّنات هذا الشارع وقطع الطريق على الخصومات المجانية بين أبنائه. يقول كنعان إنّ المطلوب استثمار هذه التجربة لتكريس الصوت المسيحي كمرجعية قادرة على إمساك زمام المبادرة والقرار، ليس بالضرورة بمواجهة الآخرين، ولكن منعاً لقضم حقوق المسيحيين ومواقعهم، وتالياً تكريس الشراكة الحقيقية على قاعدة الميثاقية. وما حصل الى اليوم من إنجازات على هذا المستوى بفعل التفاهم العوني – القواتي، دليل على صوابية هذ المسار.

بنظره، الاستحقاق البلدي ليس الهدف بحدّ ذاته وانما الوسيلة لتقديم القوى المسيحية على مسرح تفاهم شامل لا يُخرج أياً من هذه القوى ولا يلغيها، واستثمار هذا التفاهم في الرئاسة أولاً وفي النيابة ثانياً. أما كيف ستحصل الترجمة، فلا بدّ من الانتظار.

صحيح أنّ الأهداف المعلنة من الرغبة في توسيع بيكار التفاهمات المسيحية، مقنعة اذا ما قيست بمقياس العمل على التخفيف من حدّة الخلافات داخل الصف المسيحي تعبيداً للطريق أمام الجنرال ميشال عون لبلوغ قصر بعبدا بأقل الأكلاف الممكنة، ولكن هذا لا يمنع أبداً بعض الخبثاء من القول صراحة إنّه لو قدّر للثنائي العوني – القواتي النجاح في تعرية الآخرين من ورقة توت التمثيل البلدي، وتالياً الجماهيري، لما تردد لحظة واحدة في فعلها.