لعلّ التعبير الصادق عن «اعلان النيّات» بين التيار الوطني الحره و«القوات اللبنانية» منذ ولادته وحتى اليوم هو «مساكنة الضرورة» وربما أيضاً اكثر من ذلك.. لكن يبدو ان هذا الخط التصالحي بين الطرفين لم يساهم بعد في الدفع باتجاه تجاوز الأزمات الجدّية بقدر ما الحق ويلحق احياناً ضرراً «غير مقصود» بمسار الحياة السياسية، بحسب مصادر نيابية، ولا يعني هذا الكلام ان المقصود الاصطياد بمياه هذا التفاهم او التنسيق بين قطبي الشارع المسيحي بقدر ما هو توصيف موضوعي للنتائج التي حققها حتى الآن على مستوى درجة مساهمته في تحسين مناخات الحلول للعديد من المعضلات والاستحقاقات.
قبل ان يبادر الطرفان الى التواصل والتفاوض والحوار بعد اكثر من ثلاثين سنة من الصدام، صدرت عن قوى ومراجع سياسية عديدة في البلاد مواقف تشجع على مثل هذا الحوار تقول المصادر، وكان الرئيس نبيه بري في مقدمة الذين حثوا الجانبين على المضي قدما في هذا النهج انطلاقاً من قناعته بانه يساهم في تخفيف التشنج والتجاذبات في البلاد ويشكل جزءاً من حلقة الحوار الموسعة التي باشر بقيادتها لاحقاً في مجلس النواب.
انه حوار مبارك ومطلوب وهو المسار الصحيح الذي يجب ان يكون الاطار والحكم في العلاقات بين الاطراف اللبنانية، لكن الخوف من ان يتحول او تصبح الجهات المتحاورة أسيرة هذا الاطار بالتسيهل والتعطيل في آن معاً.
واليوم بعد هذا الشوط التصالحي الممتد منذ سبعة او ثمانية شهور، ماذا حقق «إعلان النيّات» بين الطرفين؟ اين أخطأ وأين اصاب؟
ربما يأخذ الجانبان على طارحي السؤال بانه يندرج في اطار التشكيك بجدوى التقارب بينهما بحسب المصادر النيابية ومحاولة النظر الى الجزء الفارغ من الكوب، غير ان السؤال يبقى مطروحاً ومشروعاً خصوصاً ان هذه العلاقة بعد اعلان النيّات وحتى اليوم لم تعط اجوبة على اسئلة جوهرية متصلة بمسيرة الحياة في البلاد، والاستحقاقات المطروحة لا سيما ازمة الشغور الرئاسي.
في الجزء الملآن من الكوب، لا بدّ من القول ان التيار العوني و«القوات» نجحا في تجاوز صدام وعداوة دامت اكثر من ثلاثين عاما، على حد تعبير مصدر نيابي بارز في «الوطني الحر».
ويستتبع ذلك ان الطرفين «ينعمان» بهدنة اعلامية مريحة نسبياً تتراوح بين الغزل والتناغم احياناً والغمز واللمز احياناً اخرى… وهذا يسجل ايضاً في خانة ايجابيات العلاقة المستجدة وفق شهادة المصادر القيادية في التيار والقوات فان نقاطاً عديدة يمكن ادراجها في النتائج الايجابية التي حققها «اعلان النيّات» حتى الان هي:
– وقف 30 سنة من الحرب بين الطرفين، واسقاط عشرات الدعاوى بينهما.
– تنقية الاجواء السياسية بحيث باتت الخلافات بين التيار والقوات غير صدامية ويغلب عليها الطابع الموضوعي.
– حصول تجارب ايجابية على صعيد التعاون في العمل الطلابي والنقابي، تحتاج الى مزيد من التنسيق والجهد.
– التعاون على مستوى التشريع كما حصل مؤخراً في توقيع اقتراح قانون استعادة الجنسية.
وتعتبر مصادر الطرفين ان ما تحقق منذ اعلان النيّات بينهما يعتبر نتائج مهمة قياساً لتداعيات علاقات صدامية دامت ثلاثة عقود، «وهي خطوة كبيرة لا تهدف اصلاً الى تقاسم السلطة او النفوذ او الشارع، ولا الذوبان في كيان سياسي واحد، بقدر ما تفتح الآفاق امام مزيد من التعاون والتفاهم بين الطرفين».
وتعترف المصادر القيادية في «القوات» والتيار ان هناك خطوات في السياسة لم تتحقق حتى الان، لا بل انها تراوح مكانها وهي تتعلق باستحقاقات ومفاتيح اساسية ابرزها الاستحقاق الرئاسي، وقانون الانتخاب.
هنا بيت القصيد، يقول مصدر سياسي مطلع، ملاحظا ان «مساكنة الضرورة بين التيار العوني والقوات اخذت تتحول الى مساكنة التعطيل، بعد ان غلب الطابع التصالحي والشكلي احيانا على القضايا المهمة التي يجب ان يساهم في التصدي لها ومعالجتها.
ووفقاً لقراءة بسيطة يرى المصدر انه في الجزء الفارغ من كوب العلاقة المستجدة بين التيار والقوات يمكن تسجيل الآتي:
1- يتناوب الطرفان في تبادل الدعم لتعميم تعطيل المؤسسات بحجة الشغور الرئاسي، على الرغم من اختلافهما جذرياً حول اسباب هذا الشغور وتنافسهما في معركة الرئاسة.
2ـ لم ينجح التيار العوني في عملية خطب ودّ «القوات» من كسب جزء من ثقة حلفائها في 14 آذار، لا بل انه على مدى الفترة الممتدة من «اعلان النيات» وحتى الآن ظلّ يتعرض لحملات متتالية من هؤلاء الحلفاء وفي مقدمهم تيار «المستقبل».
3- فشل التيار في توظيف تحسين اجواء علاقته بالقوات لصالح المعركة الاساسية التي يخوضها لوصول العماد عون الى بعبدا.
4- بدورها لم تتمكن «القوات» من التأثير «بوصة واحدة» على اندفاعة عون في معركته كما انها لم تنجح في تقديم رئىسها الدكتور جعجع كمرشح حواز.
5- اظهرت الوقائع في الاشهر الاخيرة ان هذا الحوار الثنائي بين الطرفين لم يعكس مناخا او حالة من تحسين ظروف الحوار الجامع بدليل عدم مشاركة «القوات» في حوار المجلس النيابي.
ويخلص المصدر الى القول ان التيار والقوات امام امتحان حقيقي اليوم لتبديد هذه القراءة لا سيما ان موقفهما السلبي من حضور الجلسة التشريعية اذا ما استمر – يعني انهما متضامنان متساكنان متشاركان في تعميم التعطيل حتى اشعار اخر.