IMLebanon

«تفاهمُ معراب» يقع… والسلّاخون كُثُر؟

 

«أم الصبي» في «تفاهم معراب» هي «القوات اللبنانية». فهي المتضرِّر الوحيد من سقوطه، وأما «التيار الوطني الحرّ» فقد يجد مَن يقنعه بأنّ أرباحَه من هذا السقوط ستكون أكبرَ من خسائره. وأما الآخرون، على ضفتي 8 و14 آذار، فمعظمُهم يحفر تحت الاتّفاق لتسريعِ انهيارِه.

كأنّ «تفاهم معراب» عبارةٌ عن مُنتجٍ استهلاكي مطبوع عليه تاريخ الصلاحية: «صالح للإستعمال لمدّة عام من تاريخه». وهكذا، يحتفل الرئيس ميشال عون بعيده الأوّل في القصر الجمهوري، مُحاطاً بفائض القوة التي تشمله من جانب «حزب الله»، ومُحاطاً بدفءِ زواجِ المصلحة مع الرئيس سعد الحريري. وبعد هذه «الترويكا» كل البقية تفاصيل:

إذا اضطربت العلاقةُ مع الرئيس نبيه بري، فهي ستبقى مضبوطةً بحماية العلاقة مع «الحزب». وإذا زعل النائب وليد جنبلاط من تصريح للوزير جبران باسيل في عاليه، فالأمورُ قابلة للتسوية. وإذا زعل الدكتور سمير جعجع بسبب تباعد المفاهيم بين «القوات» و»التيار» في مجلس الوزراء، فـ«على مهله بيرضى».

البعض يقول: «بتأثير من كؤوس الشمبانيا في معراب، لم يتّسع خيالُ «القوات»، يومَ مباركتها للرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، لرؤية المستقبل بوضوح وواقعية.

علماً أنّ الذين لم يتذوّقوا الشمبانيا يومذاك كانوا محظوظين بامتلاكهم القدرة على الرؤية بوضوح. فقد استبقوا الأمور يومذاك وتوقّعوا أن تبقى بوصلةُ «التيار» في اتّجاه «تفاهم مار مخايل» حيث لا يجرؤ على المغادرة، وأن لا تتّجه صوب «تفاهم معراب»، حيث يجرؤ الكثيرون!».

للإنصاف، يقول البعض، لم يكن أمام جعجع غير ما كان: حاصره الحريري بإعلان تأييد خصمه الشمالي التاريخي النائب سليمان فرنجية في رئاسة الجمهورية.

فلم يكن أمامه إلّا أن يهرب من «السوري الأصلي» إلى «السوري التقليد»، كما قال يومذاك. وفكَّر: «لماذا لا أنخرط في اللعبة وأحصل على الممكن من الداخل بدل الخواء الذي سأحصده في الخارج، على غرار خواء المقاطعة في العام 1992؟».

على الأقل، ظنّ جعجع، أنه سيكون قادراً على إزاحة عون قليلاً عن تحالفه اللصيق مع «حزب الله» في اتّجاهِ تحالفٍ «إنترمسيحي» وأكثر اعتدالاً في التعاطي بين محورَي 8 و14.

والفكرة القاتلة التي تقود 14 آذار دائماً هي الآتية: «الأسد ستأخذ به التسوية السياسية، «حزب الله» سيتخلّى عن سلاحه وستأتي المحكمة لتصفّي الحسابات معه، إسرائيل لن تقبل بإيران على حدودها، وأميركا ستفرض على الجميع التزامَ الضوابط».

تالياً، وفق نظرة 14 آذار، التي تبنّتها منذ العام 2005، فلا بأس بالتسويات المرحَلية «التعايشية» مع «الحزب»، ما دامت مرحَلية لا دائمة. وهي ستنتهي بانتهاء المواقيت المخصّصة لها إقليمياً ودولياً.

ولكن، ظهر أنّ بعض هذه التوقعات والتحليلات ليس سوى أوهام، وأنّ البعض الآخر فيه شيء من الدقّة، وأنّ بعضها صحيح لكنّ تحقيقَه يحتاج إلى مدى زمني غير محدَّد، بحيث يموت جيل ويأتي آخر قبل تحقيقه… فإذا جاء وقتُه كانت الدنيا كلّها قد تغيرت.

أيّاً تكن مبرِّرات «القوات» للتفاهم مع «التيار» على إيصال عون إلى الرئاسة، فيجدر الاعتراف بأنها كانت أساسية في تحقيق الحلم العوني العتيق.
ولكن، اليوم، ربما اكتشفت «القوات» أنها كانت «دعسةً ناقصة». ومن سخريات القدر أنها تعمل ليلاً ونهاراً للتحالف مع فرنجية… ضد عون!…

إنتخابياً على الأقل. وهناك مَن قال: «لو كان فرنجية رئيساً للجمهورية- بدل عون- هل كان وزراؤه «سينكّلون» بوزراء «القوات» كما يفعل وزراء عون؟».

هناك ما طرأ في الأسابيع الأخيرة على اللعبة السياسية الداخلية، وتحديداً منذ «لقاء كليمنصو». في هذا اللقاء، تمّ التوافقُ «الإسلامي» على استعادة أولويّة المواجهة مع «الرئيس الماروني»: بري بادر- بتغطية من «حزب الله»- إلى استيعاب الحريري، علماً أن لا مشكلة في هذا الشأن مع
جنبلاط.

الروحيّةُ هي عدم المَسّ بالمسار الذي سلكه تنفيذ «إتفاق الطائف» في المرحلة السورية، والذي تمّ تأكيده في التحالف الرباعي عام 2005. وإذا كان صعباً إقناع عون بالتخلّي عن نزعته إلى استعادة النفوذ القديم للرئيس الماروني، فمن الممكن استدراج «التيار» ووزرائه إلى المساومات السياسية وغير السياسية، بحيث يذوب في اللعبة السياسية التقليدية، مثلما ذاب فيها رؤساء الجمهورية منذ «إتفاق الطائف».

ويبدو أنّ هذا المسار آخذ في النجاح. وأبرز ضروراته فكّ الارتباط بين عون وجعجع، وبين «التيار» و«القوات» وكوادر كل منهما، واستعادة النفور بين الطرفين. فابتعاد جعجع عن عون يتيح تسريعَ الخطوات الملحّة في الوقت الحاضر، ولا سيما منها التطبيع مع دمشق- الأسد وإمرار الملفات التي تُعارضها «القوات».

لذلك، الأرجح أنّ قوى معيّنة يهمّها خلق أرضية تؤدّي إلى توسيع الشرخ بين «التيار» و»القوات». وهذا الأمر سيكون مثالياً قبل الانتخابات، سواءٌ باستقالة «القواتيين» من الحكومة أو من دون استقالتهم.

وتأجيل معالجة الملفات التي تهمّ «القوات» في مجلس الوزراء هو جزءٌ من هذا التوجّه.
ولذلك، عندما يقع «تفاهم معراب» على الأرض سيكثر السلاّخون، ولن يسأل عنه «التيار». وأما «القوات» «أم الصبي» فعليها تقع المسؤولية والقرار. لكنها في وضع لا تُحسَد عليه. فالخياراتُ أمامها صعبة كلها.