IMLebanon

تفاهم معراب والإمارة

 

لا يكفي نشر تفاهم معراب من قِبل القوات اللبنانية أو إعلان التيار الوطني الحر إنتهاء صلاحيتة للتخفيف من فداحة ما تضمّنه من انتهاك للحياة السياسية والوطنية في لبنان. القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر ملزمان بإعلان توبة سياسية وتقديم الإعتذار للبنانيين مسيحيين ومسلمين لما ذهبت إليه العقول المريضة في استباحة الوطن والدستور. يخيّل للناظر بتمعن الى بنود هذا التفاهم الرخيص أنّه يقرأ في أدبيات شحذ النفوس وإذكاء عقد الخوف والإختلاف لدى المسيحيين وتقديم طروحات الفدرلة والإنعزال المقنّعة، التي عرفناها خلال الحرب الأهلية.

الفريقان الموقّعان على التفاهم هما تكتل لبنان القوي وتكتل الجمهورية القوية. أي لبنان وأي جمهورية يمكن بلوغهما في إتفاق يؤكّد على قواعد وأعراف لا علاقة لها بالدستور؟ أي لبنان يريده «تحالف الأقوياء» في تكريس قاعدة الأقوياء في طوائفهم، وتوزّع المناصب الوزارية المسيحية ووظائف الفئة الأولى فيما بينهما في الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة ومجالس الإدارة العائدة للمسيحيين، بما فيها المراكز القيادية الأولى في المؤسسات الرسمية (ومن ضمنها قيادة الجيش، وحاكمية مصرف لبنان، إلخ) ؟ أليس ذلك مع استحالة تحقيقه على الساحة المسيحية والتي ظهرت من خلال الإتهامات بالإستئثار، دعوة صريحة لكلّ اللبنانيين للإلتحاق بطوائفهم،وإقصاءً لكلّ اللبنانيين المؤمنين بلبنان الوطن والمواطنة؟ ألم يعجز «الفريقان القويان المتحالفان» عن الإتفاق حتى على مِرفق واحد أو قضية وطنية واحدة، وهل استطاعا تطبيق مبدأ الكفاءة أو احترام الآلية المتّبعة في مجلس الوزراء الذي ورد في الإتفاق ؟ إنّ تجربة الطوائف في لبنان التعدّدي أثبتت عجزها عن الجمع بين الإستئثار الطائفي وتحقيق المصلحة الوطنية.

إنهار الإتفاق ليس بسبب الخلاف على المقاعد الوزارية ونوعية الحقائب وعددها بل لأنّ الغاية منه لكلا الطرفين قد تحققت فلا لزوم لاستمراره. أبعد الدكتور جعجع في 12 كانون الثاني 2016 هاجس التعايش مع جمهورية يرأسها سليمان فرنجية فذهب إلى ترشيح من اعتبره دائماً غطاءً مسيحياً لسلاح خارج عن الدولة يُرهب اللبنانيين ويصادر الحياة السياسية، ويُدخل لبنان في صراعات إقليمية. بدوره العماد عون الساعي لكسر الستاتيكو الذي عجزت عنه إجتماعات بكركي للمسيحيين الأقوياء على امتداد جولات طويلة، لم يأبه للدفع المعنوي الذي يمكن أن يمنحه توقيع التفاهم في معراب فسارع الى انتزاع تأييد القوات لترشيحه غير آبه بكلّ مندرجات الإتفاق، مقدّماً لحلفائة الغطاء المسيحي الذي أحرج مناوئيه وسمح بتأمين أكثرية نيابية.

إنتهت صلاحية الإتفاق بانتفاء مبرّر وجوده. كان العماد عون مدركاً للقيود التي يمكن أن يضعها حلفاؤه، لا سيما حزب الله على طموحات القوات اللبنانية ومدركاً لقدرته على رفض مطالبها من موقعه الجديد كرئيس للجمهورية للحؤول دون إعطائها مساحة لمنافستة كفريق مسيحي أو على مستوى السلطة التنفيذية. ما زاد في إصرار فريق الرئيس على تحجيم القوات اللبنانية هو نتائج الإنتخابات النيابية التي كرّست الدكتور جعجع منافساً حقيقياً على الساحة المسيحية من خلال قانون إنتخابي أراده المروجون له مبارزة مذهبية. وإذا كان المقصود بإشهار الإتفاق، إظهار عدم التزام التيار الوطني الحر بما سبق أن التزم به، فإنّ مضمونه ساقط من الناحية الوطنية والدستورية، وهو غير قابل للحياة في زمن سقوط كلّ أنظمة الإستئثار الطائفي وتحالف الأقليات على أنواعها في العالم العربي.

يشبه تفاهم معراب كلّ الإتفاقات التي عقدتها مجموعات طائفية خارج قوانين التاريخ والجغرافيا والإجتماع السياسي.هذا التفاهم الذي أُريد له أن يكون تفاهماً سياساً لولاية رئاسية كاملة جاء خاوياً من أي رؤية لأي قضية وطنية معلّقة، على المستوى الأمني أو الإقتصادي، وترسيم الحدود وتطوير نظام الضمان الإجتماعي وضمان الشيخوخة.

تفاهم معراب لم يكن سوى مؤشّر فاقع لاستحضار نموذج لحكم لبنان مستمدّ من قراءات مجتزأة لتاريخ الإمارة اللبنانية من زمن آخر كانت له مسوّغاته،هذا النموذج لم يؤسّس يوماً لأي شكل من أشكال الإستقرار بل شكّل دائماً دعوة مفتوحة للإقتتال على السلطة.