باتّهامه «حزب الله» بأنّه يمارس حصاراً استراتيجياً يَمنع انتخابَ رئيس جديد للجمهورية، يكون رئيس «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع قد أصاب مجموعة عصافير بحجر واحد. فإذا كان المقصود من هذا الكلام «حزب الله»، فإنّ الواقع يقود إلى تحميل حليفه أي العماد ميشال عون نصيباً من المسؤولية في استمرار الحصار الاستراتيجي على الرئاسة، كما يحمّل «القوات اللبنانية» نفسَها مسؤولية الاستمرار بترشيح «حليف الحليف».
القصّة تعود إلى ما قبل «تفاهم معراب» الذي لم يولد من فراغ. لقد سبقَ ذاك التفاهم جولات وجولات من المفاوضات في الرابية ومعراب، كان فيها للدكتور جعجع تساؤلات عن مدى جدّية «حزب الله» في انتخاب العماد عون في حال رشَّحه للرئاسة، فكان تأكيدٌ جازم من عون بأنّ الموافقة «في الجيبة»، وألحَّ عون على تسريع إعلان الترشيح، كي يكون رئيساً في 9 شباط عيد مار مارون، فماذا حصل؟
صمتَ «حزب الله» بعد تفاهمِ معراب لأسبوع، ثمّ فطرَ على موقف يَرمي فيه المسؤولية على «تيار المستقبل»، وتراجَع عن الضمانات التي أعطاها لعون بتغيير موقف الرئيس نبيه برّي، وبسحبِ ترشيح النائب سليمان فرنجية، وصمتَ عون بدوره عن موقف الحزب.
وصمتَ جعجع، ولم يطالب عون بمساءلة حليفِه حول الضمانات الموعودة، ولا تزال الجلسات الرئاسية عالقة عند هذا الصمت الثلاثي، ولم يبقَ أمام المرشح المسيحي الأكثر تمثيلاً الذي كان يُفترض النزول من أجله إلى مجلس النواب لانتخابه أوتوماتيكياً، إلّا انكشاف «حزب الله» المعطّل لانتخاب الرئيس، واختباؤه خلف إصرار عون، وخلف اتّهامات لـ»المستقبل» بالتعطيل.
لم يحصل تفاهم معراب، في أجواء تشاؤمية، فالعماد عون المتأكّد من موقف «حزب الله» خُذل، وبدل أن يضع النقاط على الحروف، لم يوجّه أيَّ لوم للحزب، بل سار في مسار وضعِ الطابة عند «تيار المستقبل»، فيما كان يُتوقّع أن يُلزم الحزب بما تمّ الاتّفاق عليه.
كان استعجال عون لتوقيع تفاهم معراب ناجماً عن ضمانات تلقّاها من الحزب بانتخابه، لكنّ الحزب الذي راهنَ على عدم ذهاب ترشيح جعجع لعون، احتفَظ كعادته بالأوراق المطوية.
واليوم وبَعد أكثر من ستّة أشهر على توقيع تفاهم معراب، تجد «القوات اللبنانية» نفسَها، وكأنّها رَبحت بعض الاوراق كقوّة سياسية مسيحية، لكنّها في المقابل، أصبَحت شريكاً لمرشّح الطوق الاستراتيجي على الرئاسة، غير القادر على التراجع عن هذا الترشيح، وغير القادر على مساءلة المرشِّح، عمّا أعطي له من ضمانات بانتخابه رئيساً فور إعلان التفاهم.
الواضح من كلام جعجع عن المقارنة بين العماد عون والسيّد حسن نصرالله، أنّ «القوات» ربّما تحاول أن تبعدَ عون عن «حزب الله»، ولو لمسافة قليلة، لكنّ الواضح أيضاً أنّ هذا المسعى محكوم بالفشل، لأنّ عون، وعلى الرغم من معرفته الضمنية بأنّ الحزب لم يقُم بخطوة عملية واحدة لإيصاله إلى بعبدا، لم يقُم بما يشير أنّه يمتلك أيَّ هامش مناورة في علاقته مع الحزب، وكلّ ما يمكن أن يقوم به الآن هو الاستمتاع بحقّ الفيتو، الذي يَمنع وصولَ غيره للرئاسة، والذي يَستخدمه «حزب الله» لتطويل أمدِ الفراغ، وإيصال الجميع إلى وضع الإصبع على «مأزق النظام»، وهذا سيَعني فراغاً مستداماً، حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، التي ستَفتح الباب أمام مآزق تُجبر الجميع على الجلوس إلى طاولة المؤتمر التأسيسي.