إن صحّ ما نقل بالأمس عن مصادر في التيار الوطني الحرّ بأنّ «القوات لم تتجاوز تداعيات الانتخابات وورقة التفاهم أصبحت كورقة التين المعرضة للسقوط في أي لحظة» فهذا يعني أنّ السياسة وممارستها في لبنان في أزمة أخلاقيّة كبرى، تعطيل تشكيل الحكومة و»القوطبة» على رئيس الحكومة لانتزاع «ثلث معطّل» ما بين حصة التيار الوطني الحرّ وحصة رئيس الجمهوريّة يدفعنا إلى التساؤل هل النوايا سيئة إلى هذا الحدّ؟ ولماذا تسقط مفاعيل اتفاق معراب بهذه الصورة المشينة من قبل الفريق الذي استفاد منها وحصد المناصب والمكاسب، ويبدو أنّه انقلب على الاتفاق بعدما نال غرضه من مفاعيله وما أنتجتها، وأن «التسوية الرئاسيّة» مع الرئيس سعد الحريري تترصّدها نوايا سيئة أيضاً تحبس التحكّم بالحكومة العتيدة بيد التيّار الوطني الحرّ!
كثيرون يتساءلون لماذا العقدة مسيحيّة؟ هناك «قوطبة» على التأليف، هذه ليست المرّة الأولى التي تتعرّض فيها القوّات اللبنانيّة وقائدها الدكتور سمير جعجع لهكذا حروب سواء أكانت ناعمة أم خشنة، في 28 أيلول 2009 كتبنا في هذا الهامش تحت عنوان «الهجوم على سمير جعجع أم على سعد الحريري؟»، وبعد 73 يوماً من تعطيل تشكيل حكومة سعد الحريري الأولى «صدر حكم بإعدام النظام اللبناني أعلنته صحيفة تشرين السورية فاعتبرته بحكم الميت سريرياً»، وكتبنا أيضاً عن توجيه نواف الموسوي ـ بعد مؤتمر صحافي لجعجع خاطب فيه الطائفة الشيعيّة ـ تهديداً رسمياً واضحاً وصريحاً لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بأنه «سيكون عاجزاً عن حكم محيط منزله إذا بقي أسير مواقف حلفائه لا سيما سمير جعجع»!! وللمفارقة يومها اتهم نواف الموسوي الدكتور جعجع بأنه «يشن حرب إلغاء على التيار الوطني الحرّ»!!
هذه أزمة عشناها سابقاً وبفجاجة ووضوح أكثر، لا يستطيع التيار الوطني الحرّ، ولا العهد معه، إلى الظهور بمظهر المنقلب على اتفاق معراب، سيسأل ويحاكم مسيحيّاً، لذا توجيه سهام الاتهام بالتعطيل إلى الآخرين ضرورة ملحّة، سبق وعلقنا لمدة ثلاثة وسبعين يوماً في أزمة تعثّر تشكيل الحكومة، ويومها لم يعلن فيها الدكتور سمير جعجع موقفاً سياسياً حتى لا يشوّش على حليفه الرئيس المكلّف سعد الحريري.. اليوم يتكرّر الأمر وبشكلٍ يطرح فعلاً إشكاليّة الأخلاق والسياسة، للمناسبة من المؤكّد أن السياسة في لبنان بلا أخلاق، وبحسب تعريف حكيم الصين كونفوشيوس أنّ «السياسة بلا أخلاق إجرام»!
في 8 أيار 2014 قال وزير الداخليّة نائب بيروت نهاد المشنوق : «للدكتور جعجع شفاعات عند المسلمين. تبدأ بتعامله الصادق مع الرئيس سعد الحريري طوال السنوات الثماني الماضية، ثم تأييده الثورة السورية، وتمر بعلاقات وثيقة بناها بدول مجلس التعاون الخليجي»، حتى الآن يمارس رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري سياسة ضبط النّفس والهدوء و»الطُرفة» أيضاً في التعاطي مع سياسة «العقدة في المنشار» التي وضعها وزير الخارجية رئيس التيّار الوطني الحر في «دولاب» تسيير أمور تشكيل الحكومة، سياسة التعقيد جرّبناها وخبرناها، فهل يعتقد البعض أنّ اتفاق معراب كورقة تين معرضة للسقوط في أي وقت، أن «ورقة التين» هذه لن تفضح من يُسقط اتفاق معراب؟!
يعتبر علماء السياسة أنّ «السياسه الحكيمة كانت هي القدرة على إطفاء الحرائق»، من المفارقات أنّه في لبنان من يظنّ جهلاً أن «السياسة هي القدرة على «إشعال الحرائق»!!