IMLebanon

تفاهم معراب والتسوية على طريقة انغلز

 

المشهد الجامد في تأليف الحكومة المكلف به الرئيس سعد الحريري، متحرك في اللاتأليف. ونحن في أزمة تتجاوز معركة الحصص في الحكومة الى حرب الدور المطلوب للبنان على المسرح الاقليمي والدور المطلوب فيه على المسرح المحلّي للسلطة. فالكل، في الخطاب، يسلّم بالمعيار المعلن لتأليف الحكومة على أساس الأوزان والأحجام التي حددتها الانتخابات النيابية للقوى. والكل يعرف ان قياس الأوزان والأحجام ليس مجرد عملية حسابية، كما توحي السجالات الدائرة. لا بل ان من الوهم النظر الى الأوزان والأحجام خارج النظر الى وزن لبنان وحجمه في صراع المحاور وموقعه على خارطة التحولات في الصراع الجيوسياسي. فضلا عن النظر الى وزن السلطة وحجمها في مواجهة التحديات والأخطار ومعالجة قضايا الناس الملحة. فماذا عن كل ذلك اذا أصبحنا والبلد في حال انعدام الوزن؟

لا شيء يكشف عمق الأزمة أكثر من اضطرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لاصدار بيان يحدّد فيه رؤيته للحكومة خارج الاشاعات والتحليلات، ويؤكد ما ليس في حاجة عادة الى تأكيد: العمل في تأليف الحكومة ضمن الصلاحيات الرئاسية والدستور والتمسك بتطبيق الطائف والأعراف التي تكرّست منذ العهد الأول بعد الطائف. ولا مجال للخطأ في قراءة هذه الاشارات، بصرف النظر عما دعا الى ارسالها.

ذلك، ان ما يعرقل التأليف أبعد من العقد الثلاث المعلنة في التمثيل المسيحي والسني والدرزي وما يرافقها من ترتيب عقد لا علاقة لها بالأوزان والأحجام.

 

والسجالات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ليست معزولة عن خلافات بين أطراف أخرى وان كان التعبير عنها لا يزال في الغرف المغلقة. والظاهر، بصرف النظر عن مستوى السجالات، ان طرفي تفاهم معراب يمارسان المنطق الديالكتيكي الذي ناقض به فريدريك انغلز المنطق التقليدي القائل ان الشيء موجود أو غير موجود والشخص حيّ أو ميت، بالقول ان من الصعب وصف لحظة الموت بدقة، والشيء يمكن ان يكون في وقت واحد موجودا وغير موجود حيّا وميتا. فالتفاهم، حسب المواقف المعلنة، موجود وغير موجود، حيّ وميت. والظروف التي قادت اليه تبدّلت، والحسابات الأبعد من الظروف السياسية مستمرة.

وما دامت الأمور مترابطة في لبنان، فضلا عن ارتباط بعضها بما هو خارج لبنان، فان المنطق الديالكتيكي ينسحب أيضا على التسوية السياسية التي أنهت الشغور الرئاسي وأعادت الحريري الى السراي. فهي موجودة وغير موجودة في آن. موجودة بمعنى الاستمرار في شغل المناصب، وغير موجودة بمعنى التفاهم على المرحلة المقبلة. حيّة بحيث لا مجال لإلغاء مفاعيلها، وميتة بحيث تحتاج الى تسوية جديدة.