جولة آذار من محادثات جنيف – ٣ انتهت في الموعد المحدد بأوراق كثيرة من دون تفاوض ولا حتى حوار. ومن الصعب، قياساً على المواقف الفعلية المعروفة لوفدي النظام والمعارضة، اعتبار وثيقة الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا معبّرة بكل نقاطها ال ١٢ عن القواسم المشتركة بين الأوراق المقدمة، وان قال الرجل ان أحداً لم يعترض عليها. فالردود مؤجلة الى جولة نيسان. والنجدة التي طلبها دي ميستورا لدعم موقفه والضغط على الأطراف لتليين المواقف جاءته من محادثات الكرملين التي رسمت خطاً على الرمل في الحلّ السياسي بعد خط وقف الأعمال العدائية المفروض بالاتفاق الروسي – الأميركي. وهو اتفاق حرص الرئيس فلاديمير بوتين، خلال أربع ساعات من المحادثات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، على الاشادة بدور الرئيس باراك أوباما في التوصل اليه.
وليس قليلاً ما فعله بوتين في سوريا ولا ما لم يفعله أوباما. بين ما فعله سيّد الكرملين بالدخول العسكري في الحرب ثم بسحب القسم الأكبر من قواته، هندسة التسوية السياسية عبر ادارة اللعبة العسكرية على الأرض. وما لم يفعله سيّد البيت الأبيض أعطى بوتين فرصة الاندفاع في ملء فراغ القوة من دون تخوّف من الاصطدام بأميركا. وبين الفعل واللافعل راهن بوتين على الشراكة مع أميركا واستعادة الدور الروسي، ورسم أوباما سياسته على أساس انه اذا ربح بوتين فهو شريكه، في الربح، واذا خسر فالخسارة عليه وحده.
وهذا ما قاد، عبر لقاءات باردة وأخرى معتدلة بين بوتين وأوباما واجتماعات واتصالات مكثفة بين الثنائي كيري – لافروف، الى تفاهم روسي – أميركي على ضرورة الحل السياسي في سوريا. وهو تفاهم على الاطار، لا على كل التفاصيل في الصورة، ضمن ما تفضله واشنطن في تسسوية الأزمات: مسار لعملية تسوية يتم خلالها تذليل العقبات وتجاوز الخلافات بالتدرج على مراحل، وبالتشاور مع القوى المحلية والاقليمية كما بالضغوط عليها.
والظاهر مما جرى اعلانه بعد محادثات الكرملين ان تفاهم الكبار تقدم خطوات واسعة على الطريق. أولاً لجهة الجدول الزمني، حيث الحرص على العمل حسب الروزنامة الأميركية، أي ترتيب موضوع الحكومة الجديدة والدستور الجديد بحلول الصيف المقبل قبل ان تنتهي ولاية اوباما ويأتي من لا يعرف بوتين ما العمل معه. وثانياً لجهة الضغوط الأميركية على المعارضة والضغوط الروسية على النظام وما سماه كيري الاتفاق على تسريع الجهود لدفع العملية السياسية قدماً ومحاولة دفع الأسد الى اتخاذ القرار الصحيح خلال الأيام المقبلة للانخراط في عملية سياسية تفتح الباب الى انتقال سياسي حقيقي.
لكن المسار ليس سهلاً وسط التضاريس السياسية المحلية والاقليمية.