IMLebanon

سباق لبناني – يمني على مسار الرياض ـ طهران!

 

مع دخول البلاد مدار الاستحقاقات الدستورية على المستويين الحكومي والرئاسي، تتجّه الأنظار الى تقييم ما يمكن ان يقدّمه المجتمع الدولي من مساعدة لعبور المرحلة الدقيقة التي دخلتها البلاد، في ظلّ التوازن الدقيق في المجلس النيابي الذي ينحو إلى السلبية أكثر منها الى الايجابية. وعليه، طُرح السؤال، هل انّ لبنان جاهز للإفادة من أي تطور ايجابي يمكن ان تتوصل اليه التفاهمات الدولية، وخصوصاً على المسار الإيراني – السعودي؟

كل التطورات توحي انّ لبنان هو في قلب مجموعة من الاستحقاقات الدستورية، ولم يعبر منها سوى الاستحقاق الخاص بانتخاب رئيس ونائب رئيس وأعضاء هيئة مكتب المجلس النيابي، واقتربنا من دخول مدار الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية من يشكّل الحكومة العتيدة، قبل الوصول الى المهلة الدستورية التي تتحكّم بالاستحقاق الرئاسي.

 

في ظلّ هذه المحطات الاجبارية المحكومة بمواعيد محدّدة، لا يمكن التلاعب بها بعد إنجاز الانتخابات النيابية في موعدها، وما استحقته الخطوة من تقدير داخلي وخارجي، أوحى بإمكان عبور المراحل المقبلة بأقل الأثمان الممكنة. ولذلك، تعدّدت القراءات حول ما يمكن القيام به، بما يلزم من التحضيرات السياسية والدستورية والنيابية، في ظلّ مجموعة من السيناريوهات التي لا توحي انّ المشوار سيكون سهلاً في اتجاه ما يعكس القدرة على احترام هذه المِهَل، وأولها ما يتصل بتحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية لتسمية من سيُكلّف مهمة تشكيل الحكومة الجديدة على خلفية التريث في تحديد موعدها.

 

وإن كانت المحطة الاولى المعلن عنها تتصل بانتخابات رؤساء اللجان النيابية واعضائها والمقرّرين، بعد تسلّم المديرية العامة لرئاسة الجمهورية لائحة بالكتل النيابية التي انتهت إليها الانتخابات النيابية والنواب المستقلين، كما صنّفتها الأمانة العامة للمجلس، والتي ستُعتمد في الاستشارات النيابية الملزمة، فإنّ من الضروري ان ينتظر رئيس الجمهورية ما ستنتهي اليه الاتصالات الجارية، لاستكشاف الأسماء المرشحة للدخول في لائحة المرشحين السنّة المؤهّلين لمهمّة التكليف والتأليف، طالما انّ الإجماع لم يتحقق بعد على عودة الرئيس نجيب ميقاتي إلى حلبة المسرح، من باب الضمانات التي يوفّرها وجوده رئيساً لحكومة تصريف الاعمال، ما لم تنجح مهمة التأليف في المرحلة الفاصلة عن نهاية الولاية الرئاسية، التي تضع حداً للمهمتين، والانتقال الى مرحلة ادارة شؤون الفراغ الرئاسي إن وقع ذلك ولم تنجح المساعي القائمة لضمان انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.

 

ولذلك، فإنّ من ينتظر موعد الاستشارات الملزمة عليه ان يتريث بعض الوقت، في انتظار المفاجأة التي لا يستطيع أحد ان يحدّد موعد اجرائها. فالنظرية التي تتحدث عن المهلة القصيرة الفاصلة عن نهاية الولاية لم تُسقط لائحة الشروط التي تتحكّم باختيار الرئيس الذي يُكلّف التأليف، أياً كانت الكلفة. فكل ما في الامر يتصل بالعجز عن مقاربة الاستحقاق الرئاسي، وهو أمر ينعكس على المساعي المبذولة من أجل تشكيل الحكومة، وسط اكثر من مشروع، مخافة ان تكون بديلاً من رئيس يطمح ولا يصل الى ما يريد.

 

وإلى هذه المعطيات، يعترف المراقبون لتفاصيل الأحداث، انّ هناك مسعى يُبذل على اكثر من مستوى، للإفادة من الاشهر الخمسة، كل على ما يشتهي وفق أولوياته، وإن لم تبدّل الظروف بعض الهواجس فإنّ عملية التأليف دونها عقبات عدة. فلدى رئيس الجمهورية وفريقه أولويات تختلف عن تلك التي لدى رئيس مجلس النواب وما بينهما رئيس حكومة تصريف الاعمال. ولم تنجح كل المبادرات السابقة التي أُجريت قبل الانتخابات النيابية دون تحديد الأولويات ووضع جدول بالمشاريع والخطوات التي يمكن اتخاذها، للتخفيف من حدّة الأزمة وإعادة وصل ما انقطع مع الخارج، وخصوصاً مع الخليج العربي والدول المانحة، التي تنتظر خطوات اصلاحية لم تنجز المنظومة السابقة اياً منها.

 

والدليل إلى ما سبق لا يحتاج الى عناء البحث عنه، فكل المشاريع التي وضعت خطة التعافي، تعثرت، وإن أُقرّت إحدى الصيغ منها في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، فقد أُحيلت الى المجلس النيابي بطريقة «ملغومة». فملاحظات وزراء «الثنائي الشيعي» ليست وحدها من ستكون بالمرصاد في ساحة النجمة، ولدى مجموعات كبيرة من النواب المنتخبين الجدد والعائدين إليها، ما يتجاوز ما شهدته جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، قبل دخول الحكومة في مدار تصريف الأعمال. وإلى هذه المعادلة السلبية، لا يمكن التجاهل انّ المجلس النيابي السابق ومعه حكومة تصريف الأعمال، لم يأتيا بأي من المشاريع المطروحة لقانون «الكابيتال كونترول»، ولا التعديلات المقترحة على قوانين عدة، منها إعادة هيكلة المصارف وتوزيع الخسائر.

 

وهو أمر يتجدّد الخلاف حوله في المجلس النيابي الجديد، وستشهد اللجان النيابية التي ستناقش هذه المشاريع المرفوعة إليها على ما لم يتبدّل، نتيجة ما انتهت إليه صناديق الاقتراع، عندما أعادت رؤساء اللجان النيابية أنفسهم إلى مواقعهم، وستأتي انتخابات يوم الثلثاء المقبل بما يؤكّد هذه المعادلة، عندما يُكرّس القديم على قدَمه، على الأقل في لجنتي المال والموازنة والادارة والعدل، وإن كان الرهان على دور ما للنواب الجدد في عضويتها، فهو أمر سيبقى قيد البحث في انتظار مفاجأة غير متوقعة، تمكّنهم من إحداث تغييرات كبيرة في مشهد لم يتغيّر منذ سنوات عدة.

 

وبناءً على ما تقدّم، يتوقف المراقبون أمام ما يمكن ان تفرضه المساعي الدولية والمقاربات المنتظرة التي تبلّغها لبنان في وقت قريب، سواء من مسؤولي صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، الساعين الى نيل جواب واضح، إن كان اللبنانيون مستعدين للتجاوب معها. ففي الزيارات الاخيرة التي قام بها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب لواشنطن، ومسلسل اللقاءات التي عقداها مع مسؤولي المؤسستين، ما يكفي من الاسئلة، مقرونة بالنصائح من أجل تصويب المسار، مع الإصرار على البت في ملفات عدة، وأبرزها السعي الى البتّ بخطة التعافي وقانون «الكابيتال كونترول» وما هو مطلوب في ملف الطاقة.

 

وإن بقيت المناكفات تحول دون أي خطوة عملية، سنشهد مزيداً من الانهيارات التي لم يعد اللبنانيون مستعدين لتحمّلها، وهو ما سيؤدي الى انفجار الوضع مجدّداً وستزداد المصاعب الحياتية، إلى درجة قد تستدعي تدخلّاً اجنبياً مباشراً لمنع ما هو متوقع مما لم نشهد مثيلاً له حتى اليوم.

 

وإن كان بعض المسؤولين اللبنانيين يمنون النفس بما يمكن ان تنتهي إليه المفاوضات الجارية في فيينا، وتلك الجارية على خط الرياض ـ طهران، باعتبارها الأكثر تأثيراً على مجرى الأحداث في لبنان، فإنّ عليهم انتظار كثير من الوقت. فالمساعي الديبلوماسية الجارية بطريقة بطيئة وسلحفاتية، قد تمتد لأشهر عدة، وانّ استئنافها رهن ما يلي من خطوات تؤدي الى استثمار ما تحقق في الجولة الخامسة من تفاهمات بين القادة الأمنيين الذين التقوا في بغداد في الثلث الأخير من نيسان الماضي، ولم يتمّ التوصل بعد الى تحديد موعد الجولة التاسعة المقرّرة على مستوى الديبلوماسيين.

 

فدونها عقبات عدة تنتظر كثيراً مما هو مطلوب للدفع الى تبديل المواقف، من أجل إعادة ترميم ما بُني من عوائق بين العاصمتين، بطريقة قد يتدهور الوضع في لبنان قبل ان يشهد على انفراجات منتظرة.

 

وما يؤدي إلى هذه النظرية مردّه الى انّ هناك من يعتقد وينبّه الى انّ ترجمة التفاهمات بين السعودية وإيران ستُترجم على الساحة اليمنية قبل الساحة اللبنانية. فهي الأكثر التهاباً، وإن حظيت الساحة اللبنانية بحجم من الاهتمام فإنّ التأخير في تحقيق ما تتطلبه المرحلة من أركان السلطة في لبنان، سيدفع بملفه الى الدرجة الثانية، وربما الى ما هو أدنى منها، بعدما تأثرت الدول المعنية بتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وحجم الأزمات الدولية التي نمت فجأة وشغلت العالم عن القضايا الصغرى.