على ما توقعنا في مقال الأمس، جاء خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله مثلما توقعنا لا جديد في ملفّ انتخاب رئيس للبلاد، وما قلناه بالأمس عن «السلّة» التي سبق وأزاحها أمين عام الحزب من «درب» العماد ميشال عون، يتمسّك بها حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وعن أنّه سيدعو «عينيه» إلى «محاورة» بعضهما بعضاً، وهكذا كان، إذ لم يتخطَّ نصرالله ما قلناه في مقال الأمس إذ قال: «المطلوب اجراء الاتصالات من أجل الحل وهناك تفاهم بين لا صفقة بين «المستقبل» و»التيار» وهو عبارة عن انتخاب عون للرئاسة وبالمقابل ينتخب «فلان» رئيساً للحكومة، فلماذا لا يشمل هذا الاتفاق أطرافاً اخرى كالرئيس نبيه بري؟»!
بالُ أمين عام حزب الله عالق في سوريا، ثمّة مخاوف كبرى سيطرت على خطاب حسن نصرالله بالأمس، لم يأخذ منه الملفّ اللبناني بضع دقائق، على عكس الملفّ السوري الذي تقلقه تفاصيل وقف كلّ جهود الحلّ السلمي فيه، بالُ السيّد حسن في تلك الجملة التي اختصر بها وضع حزبه وبيئته وشعب مقاومته «المطلوب اليوم الصمود والبقاء في الميادين»، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كم من الوقت تتحمل هذه البيئة من الخسائر الكبرى في الأرواح؟! وأيّ صمود في الميادين هذا الذي يدعوهم إليه نصرالله بعدما افتتح خطابه بإقفال الأفق في سوريا في وجه أي حلّ سياسي، وإدراكه أنّ التوتر بلغ مداه مع الصدام الأميركي ـ الروسي، ومع دخول العامل التركي على العراق، عشية التهديدات التي أطلقها الحشد «الشيعي» في العراق في وجه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان!!
التوتّر سيّد المشهد في المنطقة، لذا مرّ نصرالله سريعاً على كرة الانتخابات الرئاسية، «الرّجل بدّو الصرفة»، طالب ضمناً مرشحه وحليفه ميشال عون بعقد «تفاهم» مع الرئيس نبيه بري، الذي سبق وطالب أن يلتقي العماد عون من دون «ملحقاته»، وكأن في الأمر استدراج وفخّ للعماد، أو اقتياده مخفوراً ليمثل أمام الممثّل والناطق السياسي لحزب الله الرئيس نبيه بري «رأس المحاصصة» في الدولة اللبنانيّة!!
السؤال الأبرز الذي طرحه نصرالله، وهو الذي يقضّ مضجع حزبه اليوم: «في المدى المنظور لا أفق لحلول سياسية ومعالجات سياسية وأنا أسأل إن كان ما تبقى من وقت أمام الإدارة الأميركية كافٍ من أجل القيام بما لم تتمكن هذه الادارة من القيام به خلال سنة؟»… نعم؛ يدرك أمين عام حزب الله أن الوقت كافٍ وأنّ الإدارة الأميركية قادرة على قلب ظهر المجن بحزبه وبإيران وبفلاديمير بوتين، وأنّ جلّ ما يريده هذا الأخير موطىء قدم ثابت على البحر المتوسط وقد فاز به مع إعلان «طرطوس» قاعدة عسكرية دائمة، وأنّ الرّوسي تاجرٌ وأنّ رأس بشار الأسد أينع وحان قطافه، ومع رأس بشار سيكون أينع رأس حزب الله ومشروعه في المنطقة، فروسيا لن تمنح إيران هبة السيطرة على قاعدة عسكرية دافئة لها!!
«السيّد الخائف» من الآتي لم يقل كلّ ما لديه مساء الأمس، وسيزيد من تصعيده في وجه السعودية غداً، عينٌ على مشهد التوتر الأميركي ـ الروسي في سوريا تشرح مخاوف حسن نصرالله كلّها، الاستنزاف في سوريا بات عبئاً ثقيلاً على شعبه وحزبه، حتى هو عندما نفّذ أوامر المرشد علي الخامنئي بالذهاب إلى سوريا للقتال، لم يظنّ في أسوأ كوابيسه أنّ حزبه سيغرق إلى هذا الحدّ ويوغل في الوحل والدمّ السوري، والأيام المقبلة كفيلة باتضاح مسار الأحداث الكبرى المرتقبة!