IMLebanon

تصفية مشاريع UNDP كتلة نار ترمى في حضن الحكومة المقبلة

 

فيما يتزامَن طرح الاصلاحات كقضية محورية لإنقاذ لبنان ودولته، مع العمل على تشكيل الحكومة وكيفية توزيع الحقائب الوزارية ضمنها، كان لافتاً إشارة رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل الى الدور الهام الذي تؤديه وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية، اذ وصفها بأنها أصغر وزارة، وأقرنَ الحديث عنها بورشة إعادة هيكلة القطاع العام.

الكارثة انّ تصريح باسيل يأتي في مرحلة مفصلية تحمل تهديدات جدية بتقويض هذه الوزارة المعروفة بمكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية، والمولجة بالاصلاح الاداري بمختلف وجوهه، وذلك بعدما فشل مسؤولون حكوميون في التفاوض مع ممثلي برنامج الامم المتحدة الانمائي في لبنان حول كيفية استمرار تنفيذ بنود الاتفاقية بين الدولة اللبنانية والبرامج الموقعة بين الطرفين منذ العام 1996. وانعكس هذا الفشل توقيفاً لعقود 40 خبيراً لبنانياً في مختلف الاختصاصات المرتبطة بإصلاح الادارة وتحديثها، يقوم عليهم المكتب الذي لا يتمتع بهيكلية وزارية تقليدية، وذلك اعتباراً من 15 ايلول 2020. ولا بد من الاشارة الى انّ عملية التبليغ تَولّتها ممثلة البرنامج الانمائي سيلين مويرو شفهيّاً خلال اجتماع زوم (بالفيديو) بتاريخ 19 آب 2020، ودَعتهم الى مراجعة حكومتهم بالموضوع.

 

امّا في الجانب الحكومي، فلم يكن من سابق إنذار شفهي ولا خَطّي لهذه النتيجة، لا من الوزير المختص ولا من الحكومة. وقد تناقضت المعلومات حول سير المحادثات ونتائجها بين المسؤولين الحكوميين وممثلي البرنامج الدولي، ففي حين يتناقض واقع الحال مع قرار مجلس الوزراء الرقم 16 الصادر بتاريخ 30/4/2020، والقاضي «بتمديد مشروع تحديث القطاع العام وتعزيز الحكم الجيّد لغاية 31/12/2020»، بالاستناد الى الدستور اللبناني وقانون المحاسبة العامة والقانون النافذ حكماً الرقم 6 بتاريخ 5/3/2020 (الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2020)، فلا قرار قد صدر ينقض القرار الرقم 16 ولا القانون الرقم 6، ولا ورقة رسمية أبلغت الى اي من اعضاء الفريق العامل. وفي ظل غياب اي تقرير او مدوّنة رسمية توضِح سير المحادثات وكيفية اتخاذ القرارات، وتجلي الموقف بشفافية، تَحدّث بعض المعلومات مرة عن رسائل متبادلة ومرة عن مواجهات حادة بين الجانبين أدّت الى المشكلة القائمة، فيما ذكرت معلومات اخرى انّ ما جرى قد حصل نتيجة توافق بين احد الوزراء وممثلة برنامج الامم المتحدة. وفي هذا المجال تطرح غير علامة استفهام حول تراجع الامم المتحدة عن دعم خبرائها، حاملي الكفاءات، في هذا الظرف الصعب الذي يعيشه لبنان.

 

وفيما تجمع جهات سياسية مختلفة على الأداء المتميز لمكتب وزير التنمية الادارية، الذي لم تُلصق به يوماً لا تهمة فساد ولا حتى شبهة فساد في خلال ادارته للقروض الميسّرة والهبات الخارجية، وساهم في تطوير الادارة اللبنانية في اكثر من موقع على رغم الاجواء السياسية الصعبة التي سادت مهماته، تتخوّف اوساط مراقبة من ان يؤدي هذا القرار المفاجئ والملتبِس المصدر، الى تصفية الجهاز المكلّف بالاصلاح الاداري وهو القَيّم على كَم هائل من البرامج والمشاريع. ويقف الخبراء – مسؤولو البرامج في الوزارات كافة، ولا سيما في وزارة التنمية الادارية، بذهول أمام اللامبالاة المتمادية حيال مصير الملفات الوطنية الحساسة في حال توقفت العقود بعد أقل من 15 يوماً. ويسألون، من دون الحصول على اي إجابة عن مآل الاتفاقات الموقعة والمشاريع المعقودة لتنفيذها في عدد من الوزارات والادارات العامة، في غياب اي توجيه او توضيح من المسؤولين المعنيين. وسط هذه الاجواء الملبّدة، يدعو هؤلاء الخبراء الاطراف المعنية الى وقفة ضمير للحؤول دون القضاء على هذه المشاريع وتفادي الاضرار الحاصلة نتيجة التعاطي الحكومي بهذه المسألة.

 

ففي ظل المرحلة الانتقالية الفاصلة بين تصريف الاعمال المُناط بالحكومة المستقيلة، وتشكيل الحكومة العتيدة، يسود جَو من التمييع والغموض يضطلع به المسؤولون الحاليون حول كل ما يرتبط بهذا الملف. ويُنذر هذا الحال بأضرار تتخطى فريق العمل نفسه، الى الوزارات الاخرى المعنية بالمشاريع التي ينفّذها، ما يهدّد ليس بخسارة التمويل وحسب وإنما بغرامات وخسائر مادية ناتجة عن عدم تنفيذ العقود الموقعة، وصولاً الى الحكومة المنوي تشكيلها بحرمانها من جهاز إصلاحي يتمتع بذاكرة مؤسساتية وكفاءات علمية مدعّمة بخبرات في مختلف الاختصاصات وفي كيفية التعاطي مع الجهات الخارجية المانحة.

 

ويشكّل توقيف عمل الفريق المعني في مكتب وزير التنمية الادارية تصفية لجهاز مُتماسك ومنجز للمشاريع الاصلاحية قادر على تغطية مختلف المهام ذات البعد الاصلاحي، من ادارة القروض الميسّرة والهبات الخارجية وفق قواعد الشفافية واحترام إجراءات الجهات المانحة. وكان هذا المكتب قد قدّم لأكثر من عقدين نموذجاً حيّاً عن هذا المسار، حيث تخطّت الهبات وحدها التي أدارَها فريق UNDP في المكتب 130 مليون دولار اميركي، لتنفيذ كم هائل من المشاريع في الوزارات والادارات العامة. وقد توزعت هذه البرامج بين الادارة المركزية والسلطات المحلية والمجتمع المدني كشريك اساسي في الاصلاح والتنمية. وحاز فريق العمل في المكتب على شهادات مشرّفة من المؤسسات الدولية التي يجري التعامل معها، قائمة على مهام التدقيق والمراقبة للمشاريع أثناء التنفيذ وبعده، وعلى كيفية ادارة العقود والاتفاقات المعقودة.

 

امّا في ما يتعلق بالمشاريع، فيمكن تصنيف درجات الاضرار بالتدرج من وقف مفاجىء للمشاريع المموّلة السارية والحاملة آمالاً وتوقعات كبيرة، الى وَقف العمليات الآيلة الى استدامة ما تم تنفيذه خلال عمليات المتابعة والتقييم المستمر، الى إجهاض الخطط الاستراتيجية ومن ضمنها استراتيجية التحول الرقمي والمشاريع الموضوعة لتنفيذها. امّا في الاحصاء المفصّل لهذه الاضرار، فلا شك انّ إيقاف مشاريع قائمة يشير الى انّ ضربات قاصِمة وجّهت لِما يشكّل خدمة للمواطن، بدءاً بما ينتج عن الخطوة من توقيف بوابة الحكومة الالكترونية والمواقع الالكترونية الحكومية التي يتابع خبراء المكتب استضافتهم ، وضرب خطة إنقاذ ملف مؤسسة الضمان الاجتماعي، وصولاً الى إجهاض مشروع مَكننة المحاكم وتوقف عمل تطوير الاداء الاداري من خلال مجموعة من المشاريع المركزة على الادارة العامة وبالشراكة مع السلطات المحلية والمجتمع المدني، فضلاً عن وضع برنامج ادارة النفايات الصلبة في مهب الريح.

 

وفي غيض من فيض عن النتائج الهدّامة لوقف العمل مع خبراء التنمية الادارية، يندرج وقف البرامج المشتركة بين مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية والهيئات الرقابية المدعومة من الاتحاد الاوروبي، ومنظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي والمتعلّقة بتقييم أداء الأفراد وتقييم الأداء المؤسسي والقطاعي، وأنظمة التعيين والترفيع، وإدارة حديثة للموارد البشرية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وإعادة هيكلة الإدارات، ودعم المعهد الوطني للإدارة.