يصح على مشهد الثرثرة الداخلية الصاعدة عقب التمديد لمجلس النواب، أن بطالة سافرة بدأت تضغط على ستاتيكو سياسي لا يزال بعض القوى الداخلية يظهر قصوراً هائلا عن استيعاب مسبباته ودوافعه بل حتى القليل من ايجابياته، على رغم كل ما ينطوي عليه هذا الستاتيكو من سلبيات في تجميد الاستحقاقات العالقة وفي مقدمها ازمة الفراغ الرئاسي. يبرز ذلك بقوة من خلال البحث عن بوصلة جديدة لوضع أجندات داخلية تملأ فراغ ما بعد التمديد، ساعة باصطناع مهمة متجددة للجنة نيابية تنفض الغبار عن مشاريع القوانين الانتخابية، وساعة بإثارة كلام بلا اي محتوى جدي عن تحريك خارجي لأزمة الفراغ الرئاسي، وساعة بإثارة أوهام عن صفقات دولية – إقليمية تدرج الملف اللبناني في أولوياتها.
قد يبدو من غير اللائق في زمن باتت معه الشتيمة أساس الخطاب السياسي والإعلامي في لبنان، وصف الكثير مما يتصاعد من صخب بأنه نتاج إفلاس سياسي وفكري واستسهال للثرثرة، علها تغطي قصور قوى سياسية وصلت منذ زمن بعيد الى حيث لم يعد في إمكانها ان تتراجع عن مواقف ومواقع باتت اسيرة لها. وإذا كان هذا الإفلاس يشكل السمة الغالبة على مجمل القوى السياسية، فان مظاهره تنكشف تباعا في التفاوت الهائل الذي يشهده الخطاب السياسي حتى بين الحلفاء في فريق واحد. فثمة مثلا غياباً فادحاً في مستويات التعامل مع الاخطار الاقليمية والإرهابية التي تتهدد لبنان، في خطاب يمعن في الغرق في زواريب النكايات السخيفة المحلية وتصفيات الحسابات الشخصية، كأنه تعويض او بدل من ضائع من انتخابات نيابية لم تحصل، او كرسي رئاسة هائمة عالقة على المجهول. وثمة في المقابل إغراقاً مريباً في التهويل بأخطار التمدد الارهابي كأنه الغطاء الامثل لاستباحة لبنان لأزمات الفراغ الدستوري والاستهدافات الامنية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تسابق بعضها بعضا في دفع لبنان الى الانهيار.
يطل اللبناني على هذا المشهد متسائلا، من تراه قادراً بعد على إقامة رأس جسر يعيد برمجة أولويات ملحّة للناس إن تعذّر وبات مستحيلا ان تبرمج أولويات الحكم في زمن الـ٢٤ رئيسا بالوكالة الذين تضمهم حكومة الرئيس تمام سلام؟ وهل تراهم يفهمون او يدركون، “الرؤساء بالوكالة الوزارية” القسرية جميعا، ان لا الفراغ الرئاسي ولا التمديد المجلسي يسوّغ لهم المضي في عمى الألوان هذا الذي يضع أزمات الناس في الثلاجة؟ لعل المفارقة المفجعة هنا ان ينكشف الوسط السياسي برمته، عن قصور هائل في تحسّس أزمات الناس في بلد الثلاثة ملايين نازح ولاجئ “بالإضافة” الى الشعب اللبناني المضيف الذي يوشك ان يغدو ضيف أرضه. فماذا ستراهم فاعلين بعد اليوم في مرحلة انتظار الانتظار والتمديد للانتظار؟