لم يكن مفاجئاً كتاب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان الذي وجهته الى وزير الداخلية، وإن كان مستغرَباً وبغيضاً ومرفوضاً الى حدّ الاستهجان. ليس مفاجئاً لأنه يأتي في سياق التراخي اللبناني مع التجاوزات الديبلوماسية التي تتوالى فصولاً مخجلة بحق بلدنا، سواء أكان الديبلوماسيون العرب والإقليميون والأجانب يمثلون بلداناً أو هيئاتٍ ومنظمات أمميةً أو قاريةً الخ…
لقد تمادى البعض من هؤلاء في التصرفات وتجاوز القوانين والأعراف الديبلوماسية الى حدود غير مألوفة حتى في أكثر بلدان العالم تخلّفاً، ما حوّل لبنان الى ساحة، بل الى ملعب للتجاوزات، دون أن يقف مسؤول ليقول: كفى! أو ليتخذ إجراءً قانونياً يلجم هذا الإنفلاتَ اللامسبوقَ في العلاقات بين الدول. ولكن، وبحرقة وألم، نردّد قول الشاعر: «ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ».
هل يستطيع أي ديبلوماسي أجنبي معتَمَد في أي بلد من بلدان هذه المعمورة أن يستبيح الأرض والكرامة الوطنية والقوانين والأعراف كما يفعل ديبلوماسيون عرب وأجانب كثرٌ في لبنان؟ أليس أنه «متوجّب» على الديبلوماسي الأجنبي، سفيراً كان او رئيساً لمكتب في مفوضية سامية (ما شاء الله على هذا السموّ!) أن يبلّغ الدوائر المعنية في البلد الذي هو معتمَد لديه بأي خطوة يُقدم عليها، حتى لو كانت زيارة مجاملة أو لقاء تعارف مع سياسي محلي أو مع صحافي أو؟..
هذا في المبدأ، أما أن تتجرّأ مفوضية شؤون اللاجئين على مخاطبة وزير الداخلية بكلام أقل ما يقال فيه أنه خالٍ من الأدب، وينم عن عنجهية بغيضة، وفوقية ليس لها ما يبرّرها ولو كان حائط السلطة واطياً… أما أن يحدث ذلك، فأضعف الإيمان أن يُمهَل رئيس مكتب هذه المفوضية غير السامية أربعاً وعشرين ساعة، ليوضّب حقائبه ويغادر لبنان غير مأسوف عليه، وقد عانينا الأمرّين من تصرفاته العدائية ضد مصلحة لبنان، لا سيما في مسألة الوجود السوري غير الشرعي في لبنان. (المفوضية تعترض على إجراءات تصفها، بكل وقاحة، بأنها «لاإنسانية» اتخذها وزير الداخلية بحق المخالفين السوريين، كأن لا تكون في حوزتهم أوراق ثبوتية لدراجات ومركبات يقودونها، أو إنهم لا يملكون أوراق إقامة شرعية: يا للجريمة يرتكبها المولوي!).