امتنعت «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» (UNHCR) عن تزويد وزارة الداخلية والبلديات بالداتا الخاصة بالنازحين السوريين، مشترطةً إعطاء أكثر من مليون و600 ألف منهم إقامات دائمة وإجازات عمل، إضافة إلى ما تردّد عن عدم إعطاء بيانات اللاجئين السياسيين ومن ارتكبوا جرائم في الداخل السوري. «المفوضيّة» أكدت أنّ «التصاريح مؤقتة ولا تؤدي إلى التجنيس أو الإقامة الدائمة في لبنان»
أكثر من 20 يوماً مضت على اجتماع اللجنة الوزاريّة المعنيّة بمتابعة ملف إعادة النازحين السوريين قبل أن تتبعها جلسة وزارية تشاوريّة للبحث في أزمة النزوح، إلا أنّ لا قرار صدر عنهما. مقرّرات الجلسة، كما سابقاتها، كانت بلا فعاليّة ولم تلحقها خطوات تنفيذيّة. هذا ما يبدو واضحاً من القرار المتخذ بشأن تشكيل وفد وزاري يزور سوريا وحديث رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأنه مستعد للذهاب إلى دمشق، من دون تفعيل خط الشام – بيروت بعد بانتظار ما ستؤول إليه المحادثات في القمة العربيّة والاتجاه نحو إنشاء الصندوق العربي لدعم إعادة النازحين عبر تأهيل البنى التحتيّة. هذا أيضاً ما ينطبق على اتفاق المعنيين على عقد جلسة وزارية تتضمّن بنداً وحيداً هو بند النازحين حتّى يكون بإمكان الدولة اللبنانية الذهاب بموقف موحّد في هذا الشأن إلى القمّة العربية، قبل «ترحيل» الجلسة إلى 21 أيّار، ثم إلى نهاية الشهر، والتي يتردد أن ملف النازحين لن يكون وحيداً على جدول أعمالها.
أمّا الأهم، فكان عدم حصول لبنان على قاعدة البيانات الخاصة بالنازحين والتي طالب «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» (UNHCR) بأن تزوّدها إلى وزارة الداخلية والبلديّات في مهلة أقصاها أسبوع، على أن تسقط صفة النازح عن كل من يغادر الأراضي اللبنانية، بعدما أفيد عن دخول 37 ألف سوري إلى بلادهم خلال فترة عيد الفطر ومن ثم عودتهم إلى لبنان بعد انقضاء العطلة.
3 أسابيع مرت ولم تنفّذ المفوضية القرار، على رغم أن ميقاتي التقى ممثّلها في لبنان لتحذيره بأن الدولة اللبنانيّة ستقطع تواصلها وتنسيقها مع المفوضيّة في حال تمنّعت عن تسليم البيانات. اجتماعات وسلسلة اتصالات دارت خلال الأسابيع الماضية، مرّة يتعهّد فيها ممثلو «المفوضية» بتسليم البيانات ومرّة يتراجعون، «قبل أن يفرضوا شروطاً على لبنان بإعطاء أكثر من مليون و600 ألف نازح سوري إقامات دائمة وإجازات عمل»، وفق ما قال وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي خلال لقاء نظّمته «المظلة البيروتية» بعنوان «حوار بيروت» في «مقهى غلاييني» نهاية الأسبوع الماضي.
كما أشارت مصادر مُتابعة للملف إلى أنّ «المفوّضية» أوضحت أنّها تمتلك أسماء لأشخاص سوريين مسجلين لديها على أنّهم «لاجئون سياسيون» و«متورطون في ارتكاب جرائم في الداخل السوري»، ولهؤلاء وضعيّة خاصة إذ تخضع أسماؤهم للمعايير والقوانين الدولية التي تنص على ضرورة عدم تسريبها أو تسليمها للدولة اللبنانيّة تحت أي ذريعة.
«المفوضيّة»: لا نعرقل العودة
في المقابل، قالت المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد لـ«الأخبار» إنّ «هدفنا هو حماية أولئك الأكثر ضعفاً في المجتمع المضيف كما اللاجئين، وضمان استمرارية الالتزام بمبادئ القانون الدولي. بالتالي، وتبعاً لمهمتنا الخاصّة بالحماية، تواصل المفوضية المشاركة في مقترحاتٍ بنّاءة لمعالجة وضع اللاجئين في لبنان وضمان حمايتهم، بما في ذلك القضايا المتعلقة بمشاركة الداتا والتسجيل وغيرها من القضايا المهمّة». وأشارت إلى أنّ «هذه المناقشات شملت مسألة مشاركة الداتا، والتي كانت المفوضية ولا تزال، مستعدة للمشاركة في مناقشات ملموسة عنها. كما اجتمعت المفوضية مع الأمن العام بشأن هذه المسألة حيث اتُفق على تشكيل لجنة تقنيّة للمضي قدماً ضمن المعايير الدولية لمشاركة الداتا وحمايتها»، مشدّدةً على «تعاونهم مع الحكومة على مشاركة داتا اللاجئين السوريين بالعديد من الطرق المهمة، بما فيها داتا عن اللاجئين المسجلين قبل تعليق التسجيل من قبل الحكومة اللبنانية أو عن تسجيل الولادات».
«المفوّضية»: لم نطالب بدمج أو تجنيس اللاجئين السوريين في لبنان
وعن اشتراط «المفوّضية» إعطاء الإقامات وإجازات العمل، لا تنفي أبو خالد الأمر أو تؤكّده، بل تكتفي بالإشارة إلى أنّ «تصاريح الإقامة في لبنان تُنظّم الوضع القانوني للأجانب بشكل عام، بما في ذلك المواطنون السوريون، وتضمن أن وجودهم في البلاد نظامي وقانوني، وهذه التصاريح مؤقتة في طبيعتها وتخضع للتجديد السنوي، كما أنّها لا تؤدي بأي حال من الأحوال إلى التجنيس أو الإقامة الدائمة في لبنان»، مؤكدةً أنّ «المفوضية لم تُقدِم على الدعوة إلى دمج أو تجنيس اللاجئين السوريين في لبنان. على العكس من ذلك، فنحن نعمل بلا كلل لإيجاد حلول مستدامة للاجئين خارج لبنان، تحديداً من خلال إعادة التوطين في بلدان ثالثة (تمت إعادة توطين ما يقارب 8 آلاف و300 لاجئ إلى بلدان ثالثة من لبنان في عام 2022) والعودة الطوعية إلى سوريا بطريقة آمنة وكريمة».
ورداً على سؤال حول عرقلة المفوضية لعودة النازحين، أشارت إلى أنّ «المفوضية لا تعيق عودة اللاجئين إلى سوريا، بل ندعم العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين، أي أننا ندعم اللاجئين للعودة متى شعروا هم بالأمان للقيام بذلك»، وأضافت: «لا تدعو المفوضية إلى تجنيس اللاجئين السوريين في لبنان، ما ندافع عنه هو التعايش السلمي واحترام حقوق الجميع حتى تصبح العودة ممكنة. ما ندعو إليه أيضاً هو تسجيل حديثي الولادة السوريين المولودين في لبنان حتى يتمكنوا من الحصول على الجنسية السورية، ونواصل عملنا مع الحكومة من خلال مشروع محدد».
الجيش والنازحون والغرب
نفت مصادر على صلة بالجيش أن تكون المؤسسة العسكرية قد تلقت إشعاراً بوقف المساعدات المالية الغربية التي تحصل عليها بسبب ما يقوم به الجيش في ملف النازحين السوريين. وقالت المصادر إنه لم يحصل أن تلقت قيادة الجيش أي رسالة من قبل أي دولة تتحدث فيها عن الأمر. وأوضحت أن الجهات الدولية والغربية لم تفتح ملف النازحين مع الجيش بخلاف ما يشاع.
وكانت سفارات الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا في بيروت، قد أشاعت أجواء بأنها احتجت لدى قيادة الجيش على ما أسمته «التورط في ترحيل قسري لعشرات النازحين السوريين من دون ضمان العودة الآمنة لهم، وأنها بصدد إعادة النظر في برامج دعمها للجيش ما لم يتوقف عن هذا الأمر».
لكن المصادر القريبة من الجيش قالت، بأن ما يقوم به الجيش في هذا المجال، هو تطبيق لقرار صدر مطلع هذه السنة، وقضى بترحيل السوريين الصادرة بحقهم أحكام قضايا على جرائم ثبتها القضاء، إضافة إلى آخرين خالفوا القوانين لناحية شروط الإقامة أو من يتسببون بمشكلات واضحة في عدد من البلدات، أو من دخلوا لبنان عن طريق التهريب، وقصدوا «تجار الموت» الذين يتولون نقلهم عبر مراكب في البحر باتجاه سواحل أوروبا.
وأشارت المصادر إلى أن الجيش الذي يملك قنوات تنسيق رسمية مع سوريا، يستخدم هذه العلاقات لتسهيل عمليات التسليم وفق القوانين اللبنانية والمعاهدات الدولية.