يعيش لبنان أزمات لامتناهية، وكلّما حُلّت مشكلة نزلت به مشكلة أكبر، وإذا كان خطر إندلاع حرب في الجنوب هو مصدر الخوف الأساسي، إلا أنّ توقّف دول عدّة عن تمويل «الأونروا» يُحرّك الهواجس اللبنانية المتعلّقة بتوطين الفلسطينيين.
أتى قرار توقّف الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا وعدد من الدول الأوروبية عن تمويل «الأونروا» كالصاعقة على الفلسطينيين. ولا يتعلق الموضوع بالتضييق على حركة «حماس»، بل يطال كل فلسطيني في غزة والقدس والضفة الغربية ودول الشتات.
وسيتأثّر لبنان، البلد المنهك إقتصادياً، والذي يستقبل أكثر من 200 ألف لاجئ فلسطيني، بهذا القرار. ولا يقتصر الخوف على المنحى الإقتصادي الذي قد يُحدثه القرار، بل يُشرّع الباب واسعاً أمام تصفية القضية الفلسطينية وتوطين الفلسطينيين في دول اللجوء.
وبالنظر إلى تاريخ هذه المنظمة، فقد تأسّست «الأونروا» بقرار الأمم المتحدة 302 عام 1948 لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. وهدفت إلى مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي لجأوا إليها نتيجة نكبة فلسطين عام 1948، وتهدف إلى تقديم المساعدة والحماية للّاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى تُخفّف من معاناتهم، حيث تشتمل خدمات الوكالة على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلّح. واعتمدت في تمويلها على التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وبلغ عدد المستفيدين من خدماتها حتى وقتنا هذا خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.
وأولى النكسات التي حلّت بـ «الأونروا» كانت عام 2018 حيث قرّر الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب وقف مساهمة بلاده في التمويل، وهذه المساهمة كانت تقدّر بنحو 350 مليون دولار سنوياً، وهي أكبر مساهمة من دولة في التمويل.
وعلت الصرخات المندّدة بهذا القرار في أروقة الأمم المتحدة ودول الشتات، خصوصاً لبنان، وسيطر الخوف من مشروع تصفية القضية الفلسطينية وتوطين الفلسطينيين في لبنان. وحاولت دول عربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تعويض النقص قدر الإمكان، ومع إنتخاب الرئيس جو بايدن، عدّلت الإدارة الاميركية قرارها، خصوصاً بعد اندلاع أزمة «كورونا»، إلى أن اتّخذت واشنطن ومعها عواصم غربية قرار التوقف عن التمويل حالياً.
ويراقب لبنان تداعيات القرار، الذي يطرح مخاوف عديدة، أولها سياسية تتعلّق بتوطين اللاجئين الفلسطينيين بعد تصفية قضيتهم، أما المشكلة الثانية فاقتصادية، إذ سينفجر الوضع داخل المخيّمات بعد توقّف المساعدات في بلد يعاني أصلاً من أزمة إقتصادية ويستقبل أكثر من مليونَي نازح سوري، والأخطر من هذا كلّه إستغلال الحالة الإقتصادية في المخيّمات ودخول جمعيات وحركات لتجنيد الفلسطينيين وتكرار تجربة 1975، خصوصاً بعد إعلان حركة «حماس» تأسيس «طلائع الحركة» في لبنان. ومن جهة أخرى، ستدفع تصفية «الأونروا» إلى انتقال ملفّ اللاجئين إلى المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، وهنا المشكلة الكبيرة.
وواجهت الدولة اللبنانية كباشاً منذ أيار الماضي مع هذه المنظمة، وقد أصدر وزير الداخلية بسام مولوي قراراً بضبط نشاطات كل الجمعيات التابعة للـUNHCR في البلدات وعدم قبول هبات بلا مراجعة الداخلية بعد تماديها في خرق القوانين اللبنانية والسيادة، وعملها على دعم النازح السوري للبقاء في لبنان ودمجه بالمجتمع اللبناني.
وإذا كان لبنان قد وضع الضوابط لعمل الـUNHCR أخيراً، فظهور أزمة وقف تمويل «الأونروا» قد يُعيد تفعيل عمل هذه المنظمة التي يشكو منها كل لبنان، وبالتالي الإستعانة بها لتغطية عمل «الأونروا» داخل المخيمات الفلسطينية قد يفتح المجال أمام إعادة عملها في ما خص النزوح السوري مما سيضاعف نشاطها وإنفلاشها…