Site icon IMLebanon

وقائع المواجهة بين “الخارجية” و”المفوضية”!

 

 

بعد أيام من صدور التوصية النيابية التي غطّت الحكومة لاتخاذ التدابير اللازمة من أجل معالجة ملف النازحين السوريين، وغداة احتجاج مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان على الإجراءات التي تتخذها وزارة الداخلية لضبط النزوح، إستدعى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب ممثل المفوضية إيفو فريسون وأبلغ إليه رسالة حازمة، فماذا بين سطورها؟

 

على رغم من انّ بوحبيب معروف بأنه صاحب «بال طويل» ويفضّل عموما تدوير الزوايا على المواجهات الحادة، الا انّ المفوضية التي أفرطت في تجاوزاتها «طَلّعتو من تيابو هذه المرة»، فسطّر الوزير في حق ممثلها «محضر ضبط» ديبلوماسي مُرفقاً بإنذار شديد اللهجة.

 

وخلال الاجتماع طلب بوحبيب من فريسون سحب الرسالة التي وجّههتها المفوضية إلى وزير الداخلية والبلديات واعتبارها في حكم الملغاة، واحترام أصول التخاطب مع الوزارات والادارات اللبنانية المختصة، وعدم التدخل في الصلاحيات السيادية للبنان، وتسليم «داتا» النازحين كاملة من دون إبطاء في مهلة أقصاها نهاية الشهر الحالي الى المديرية العامة للأمن العام.

 

وفي حال عدم التقيد بما ورد أعلاه والتمادي في تجاوز حدود الاختصاص، ستكون الوزارة (الخارجية) مضطرة الى إعادة النظر في تعاملها مع المفوضية، أسوةً بما اتخذته دول أخرى من إجراءات في حق المفوضية لدى قيامها بتجاوزات مماثلة.

 

ومن الواضح انّ «البطاقة الصفراء» التي رفعها بوحبيب في وجه ممثّل المفوضية تشكل تطوراً لافتاً في العلاقة المتوترة اصلاً بين لبنان وهذه الجهة الدولية التي تجاوزت الأصول واللياقات في التعاطي مع الدولة اللبنانية، وراحت تتصرف بفوقية واستعلاء كأنّ البلد يخضع للانتداب، فقط لأنّ السلطات الرسمية أرادت لجم فوضى النزوح السوري والتشدد في تطبيق القوانين المرعية الاجراء.

 

هذه المرة، قرّر بوحبيب ان ينزع «القفازات الحريرية» وان يخاطب ممثل المفوضية بلغةٍ لم يألفها الرجل الذي بالغَ في تجاوز قواعد استضافته وانتهاك السيادة، ما دفع اصوات عدة ومن مشارب مختلفة إلى مهاجمته، فيما ذهب البعض إلى المطالبة بطرده، على قاعدة انّ الاكتفاء بتأنيبه ليس كافياً.

 

وفي انتظار تبيان ما اذا كان فريسون سيتجاوب مع لائحة المطالب التي سلّمه إيّاها وزير الخارجية حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، تؤكد مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» انّ الكلام الذي أسمعه بوحبيب لممثل المفوضية لا يعكس موقفه الشخصي فقط بل أيضاً موقف الدولة اللبنانية مجتمعة، حكومة ومجلساً نيابياً وشعباً.

 

وتلفت المصادر إلى أنه «عندما يكون هناك اجماع وطني أو شبه اجماع حول طرح محدد، كما حصل في ملف النازحين، فإنّ القدرة على مواجهة اي خطر يهدد المصالح الوطنية تصبح أقوى وأفعل». وتوضح أن موقف بوحبيب «كان منسّقاً مع رئيس الحكومة»، معتبرة «ان المفوضية لم تقرأ دلالات التحول الشعبي والسياسي حيال ملف النازحين، وأمعنت في تجاهل المزاج المُستجد حيال هذا العبء الثقيل الذي لم يعد في مقدور أحد تحمّله سواء على مستوى السلطة أو الناس، ما أوصلها إلى استنتاجات أو تقديرات خاطئة من قبيل أنها تستطيع استغلال حالة الضعف والوهن التي تمر فيها الدولة للاستقواء عليها».

 

وتؤكد المصادر للدبلوماسية ان بوحبيب «هَز العصا» خلال اجتماعه مع فريسون، وأفهمه بالشيفرة الدبلوماسية انه «سيكون شخصاً غير مرغوب فيه اذا لم يتجاوب مع الطلبات» التي تبلّغها منه كوزير للخارجية. وبالتالي فإن المفوضية معنية الآن بالتقاط الرسالة والعمل بمقتضاها تحت طائلة تحَمّل العواقب التي ستترتب على استمرارها في ارتكاب المخالفات.

 

وتوضح المصادر نفسها ان امام المفوضية اختبار حقيقي يتمثّل في تسليم «داتا» النازحين في مهلة أقصاها نهاية الشهر الحالي، لأنه لم يعد مقبولاً ان تواصل التسويف في تسليمها، علماً ان الاتفاقية الموقعة معها في هذا الصدد تعود إلى آب 2023.

 

وتكشف المصادر الدبلوماسية انه في حال لم تبادر المفوضية إلى تغيير سلوكها، فإنّ هناك خيارات عدة ومتدرجة يمكن اعتمادها للتعامل معها، بدءاً من تجميد المعاملات الإدارية التي تنظّم وجود أعضائها ونشاطهم في لبنان، إذ هناك جيش من العاملين والموظفين التابعين لها، وهؤلاء تمرّ كل معاملاتهم في وزارة الخارجية، ويمكن للتدابير العقابية ان تتخذ مَنحى تصاعدياً اذا اقتضت الحاجة ذلك.

 

كذلك تؤكد المصادر وجود مجموعة من المنتفعين اللبنانيين حول المفوضية، تضم مستشارين وسياسيين ورؤساء بلديات واصحاب مصالح خاصة تحت مظلة جمعيات أهلية، وهذه المجموعة تستفيد من الأموال والخدمات الممنوحة، وبالتالي فهي تضلّل المفوضية ولا تنقل لها الوقائع الحقيقية.

 

ما هي التدابير العقابية التي يمكن أن تُتخذ في حق مفوضية اللاجئين إذا استمرت في اعتماد السياسة السلبية؟