بكثير من التسويف، تتعامل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مع الحكومة اللبنانية في شأن النازحين السوريين، متذرعة بالاعتبارات الانسانية، ما يحرم لبنان من بيانات أكثر من نصف النازحين فوق أراضيه!
في الفصل الأول من النظام الأساسي لمكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، وتحت عنوان «أحكام عامة»، يتولى المفوض التماس حلول دائمة لمشكلة اللاجئين من خلال مساعدة الحكومات والمنظمات الخاصة، «بشرط موافقة الحكومات المعنية»، في تسهيل العودة الطوعية للاجئين الى أوطانهم أو استيعابهم في مجتمعات جديدة.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية في ربيع 2011، حرصت المفوضية على التزام شرط «موافقة الحكومة المعنية» في التعامل مع مأساة النازحين السوريين في البلدان المجاورة…
باستثناء لبنان! لم يكن ذلك، بداية، لأن المفوضية «تستوطي حيطنا»، بل لأن الدولة، وبحجة التزام سياسة النأي بالنفس، استقالت من مهماتها في التعامل مع هذه القضية، ولم تستفق إلا بعدما بلغت أعداد النازحين السوريين نحو نصف عدد اللبنانيين، مع ما أدى اليه ذلك من أعباء اقتصادية وتنموية وأمنية وسياسية.
في ظل السبات الرسمي اللبناني مع بداية الأزمة، واعتماد سياسة الأبواب المفتوحة لأكثر من ثلاث سنوات، حلّت منظمات المجتمع المدني، المحلية والدولية، مكان الدولة وأجهزتها الرسمية في استقبال النازحين وتسجيلهم وإيوائهم في ظل عشوائية جعلت من كل من يجتاز الحدود من سوريا الى لبنان نازحاً، حتى ولو لم تنطبق عليه مواصفات النازح. الى أن اعتمدت الحكومة، في 24/10/2014، ما سمّي «الورقة السياسية لمعالجة أزمة النزوح السوري» والتي تضمنت ثلاث نقاط رئيسية، هي: تقليص الأعداد وحصر النزوح بالمهددين بأخطار مباشرة، وتوسيع صلاحيات الشرطة البلدية لحفظ الأمن، ودعوة المجتمع الدولي والمنظمات الاهلية وغير الاهلية والمجتمع المدني الى تقاسم الأعباء المترتبة جراء هذا النزوح.
ويقتضي وقف النزوح وحصر الأعداد وتقليصها، أساساً، أن تسترد الدولة اللبنانية حقها في تسجيل النازحين ومنح صفة النازح لمن يستحقها ونزعها ممن لا تتوافر فيه هذه الصفة ومُنحت له بناءً على معطيات غير دقيقة. ويقتضي ذلك أن تحصل الدولة على البيانات المتوافرة لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين حول النازحين المسجلين لديها. وهذا «حق سيادي للدولة اللبنانية لتتمكن من التدقيق في هذه المعلومات ومقارنتها بما لدى الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها مؤسسة الأمن العام، مع التزامها الحفاظ على سرية هذه المعلومات»، على تؤكد مصادر سياسية.
دخلت وزارة الخارجية اللبنانية، كونها بوابة الدخول الى مؤسسات الدولة اللبنانية، في مفاوضات مع المفوضية للوصول الى صيغة تعاون تتيح للحكومة الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة هذه المؤسسة.
ترفض المفوضيّة إعطاء لبنان بيانات أكثر من نصف عدد النازحين
واللافت هنا أن المفوضية، ولشهور طويلة، لجأت الى التسويف ومحاولة التهرب من تسليم المعطيات المتوافرة لديها، تارة عبر التذرّع بالسرية وطوراً بمحاولة الالتفاف على وزارة الخارجية باللجوء الى وزارات أخرى. وفي إحدى المرات، طلبت توقيع مذكرة تفاهم مع الخارجية في شأن النازحين، وهو ما رفضته الوزارة كون المفوضية ليست ذات صفة أصلاً لمنح صفة النزوح أو اللجوء لأي كان، لأن لبنان لم يوقّع اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين عام 1951 التي أُنشئت المفوضية بموجبها. بعد مفاوضات طويلة تم التوصل الى اتفاق على تبادل خطابات رسمية في هذا الشأن بين الجانبين، بدل توقيع مذكرة تفاهم. وبالفعل، تسلّمت وزارة الخارجية في 11 كانون الأول الماضي خطاباً من المفوضية تؤكد فيه أنها ستزود الحكومة اللبنانية، عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، «سائر البيانات المتاحة والمسموح تشاركها». وتعني العبارة التزام تسليم المعطيات حول 700 ألف نازح فقط ممن وقّعوا في الاستمارات على بند يسمح للمفوضية بتشارك معلوماتهم، ما يعني حرمان الدولة اللبنانية من معلومات عن أكثر من نصف النازحين على أراضيها. وتعهّدت المفوضية باتخاذ التدابير الملائمة لضمان توقيع كافة النازحين الذين لم يوقّعوا على البند الذي يجيز تشارك المعلومات الخاصة بهم في غضون ستة أشهر، على أن يطلب من النازحين الجدد التوقيع على هذا البند. كذلك تعهدت بتزويد الحكومة اللبنانية شهرياً بالبيانات والاحصاءات المتعلقة بالنازحين الجدد. واشترطت أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية باتخاذ الترتيبات الأمنية والسرية، «خاصة في ما يتعلق بعدم الكشف عن المعلومات لطرف ثالث… وضمان حماية البيانات من أي شكل من أشكال المعالجة غير المصرح بها»، تحت طائلة التهديد بوقف العمل بهذا الاتفاق.
وعلى قاعدة «خذ وطالب»، وافقت الخارجية، في خطاب وجهته الى المفوضية بتاريخ 9 كانون الثاني الماضي على المقترحات الواردة في مذكرة المفوضية، وتعهدت بإعطاء هذه البيانات طابع السرية والخصوصية واتخاذ كل الاجراءات لحماية هذه البيانات.
ورغم أن المفوضية، بحسب نظامها الأساسي، ملزمة بحماية اللاجئين وحقوقهم ورفاههم، إلا أن طريقة تعاطيها في هذا الشأن مع الحكومة اللبنانية تطرح كثيراً من علامات الاستفهام حول ما إذا كانت ستلتزم بتعهداتها. ومنبع الخشية أن مؤسسات الأمم المتحدة ليست بعيدة عن تأثيرات السياسة الدولية، فضلاً عن أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 428 (كانون الأول 1950)، حول النظام الأساسي للمفوضية، يتضمن بنوداً يُنظر اليها في لبنان بكثير من الارتياب، من بينها «السماح بدخول اللاجئين» وليس حصرهم، و»دعم استيعابهم من خلال العمل على تسهيل حصولهم على الجنسية»، و»تزويدهم وثائق سفر»، و»السماح لهم بنقل ممتلكاتهم وخاصة تلك اللازمة لإعادة توطينهم».