يتبين من مسار التطورات الأخيرة وموجة الفساد وأسلوب المناكفة وحلبة التحديات المتبادلة أنّ اللبنانيين لم يتعلّموا شيئاً من تجاربهم المرّة ومن أكثرها مرارة. وفي العجالتين السابقتين هنا قلنا للرئيس العماد ميشال عون إنه أخطأ. وشرحنا ذلك من وجهة نظرنا. واليوم نود أن نقول للجميع، من دون إستثناء الآتي:
أولاً: بما أننا نردد، كلنا، ليلاً ونهاراً أنّ أحداً لا يستطيع أن يلغي أحداً آخر في لبنان، فالمطلوب ترجمة هذا الشعار على الأرض بواقعية، وليس بالتشاطر أو التذاكي أو بالتخابث، أو بها كلها مجتمعة.
ثانياً – إن هذا الشعار ليس مجرّد كلام في الهواء، ولا هو يافطة مرفوعة في الشوارع. إنما هو، أو يجب أن يكون فعل ممارسة حقيقية تزيل الغبن والخوف والحرمان.
وسبق لنا أن تحدثنا مطوّلاً، غير مرة، عن هذا «الثلاثي» الذي يؤرق أعين اللبنانيين… وكيف أنّ الأطياف اللبنانية كلها عانت بل «عايشت» كلاً من أركان ذلك الثالوث غير المقدّس. كما أنه إستُغِلَّ مرات عديدة من أجل الإحتكاكات وربما الصدامات والكثير من الإضطرابات. بل انه عندما رفع الفريق السني في لبنان شعار «الغبن» التقى مع الفريق الشيعي رافع شعار «الحرمان» ضد ما أسموه، آنذاك، «المارونية السياسية» رافعة شعار الخوف… وكان ما كان من أحداث جرى إستغلالها على نطاقين عربي وإقليمي، وربما على نطاق دولي أيضاً… وكانت النتيجة سقوط لبنان الذي عرفناه، وقيام هذا البلد الذي تتولى شؤونه، منذ بضعة عقود، مجموعة من القيادات الهجينة، التي قلنا سابقاً ونكرر اليوم إنها لا تعرف الفلسفة الفذة التي قام عليها الكيان اللبناني.
ومن النتائج محاولة إسقاط دور بيروت لقيام أدوار بارزة في دبي والدوحة وليماسول وسواها… وهذا الهدف تحقق بامتياز.
وأيضاً إسقاط المقاومة الفلسطينية في ما يخدم إسرائيل الخدمة الكبرى.
ثالثاً – بالرغم من ذلك كله لايزال عندنا، في لبنان، أطراف رئيسة تبني آمالا عريضة على الدور الخارجي، فبعضنا مازال يأمل في أن يكون «الإتفاق النووي» رافعة له. وبعضنا الآخر يأمل بأن تؤدّي أحداث اليمن الى قاعدة تدعمه في ما يتطلع إليه.
وبعضنا الثالث ينتظر خيراً من… الزبداني!
أليس هذا ما يعتمل في النفوس، وما تنبىء به عناوين الصحف وإفتتاحياتها، ومقدمات نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية؟!
لقد آن الأوان لندرك أنّ أحداً لا يستغني عن أحد في لبنان… وعسى ما قلناه منذ ثلث قرن في محاضرة في الكسليك مدعوماً بالوثائق والمنطق العلمي والواقعي، ونكرره اليوم يكون عبرة لنا جميعاً، وهو «إن المسلم اللبناني هو أعظم مسلم في العالم، والمسيحي اللبناني هو أعظم مسيحي في العالم، خصوصاً وانهما سليلان لاحتكاكات يومية، بعضها يبلغ حد الإشتعال، من شأنه أن يصهر الشخصيتين في بوتقة رائعة إسمها الميثاق الوطني اللبناني!».