القوات الدولية نحو صرف موظفيها اللبنانيين؟
يسود قلق شديد بين اللبنانيين العاملين لدى القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) مع ازدياد الكلام عن نية الأمم المتحدة تطبيق خطة تقشفية قد تؤدي الى موجة صرف بين الموظفين لدى هذه القوات. «لبننة» الوظائف، استعاضت عنها القوات الدولية بـ «اللبننة» وفق المعايير الطائفية. التوظيف السياسي والطائفي والزبائنية اللذان يسِمان سياستها يثيران مخاوف من عدم اعتماد معايير موحدة في الصرف أو في التعويضات. وهي مخاوف تؤكدها سوابق في هذا المجال
تزور لبنان بدءاً من غد، وحتى الثالث من شباط المقبل، ثلاثة وفود أممية رفيعة المستوى، للقاء المسؤولين اللبنانيين وقيادة «اليونيفيل» والبحث في سبل خفض نفقات هذه القوات، في سياق خطة تقشفية أقرتها الأمم المتحدة لخفض نفقاتها بنسبة 45 في المئة (من تسعة مليارات دولار الى خمسة).
مهمة الوفد الأول تتعلق بمراجعة الشؤون الوظيفية والادارية (Staffing Review)، فيما تتعلق مهمة الوفد الثاني بـ«المراجعة الاستراتيجية لدور قوات الطوارئ الدولية وعملها في لبنان» (Strategic Review).
أما الثالث، وهو الأهم ويصل مطلع الشهر المقبل، فهو وفد ما يسمى بـ «اللجنة الخامسة»، وهي صاحبة القرار في ما يتعلق بالموازنة.
هذه الزيارات سبقها اجتماع، الخميس الماضي، في مقر قيادة «اليونيفيل» في الناقورة لمندوبي الدول الـ 40 المشاركة في القوات الدولية للبحث في تطبيق الخطة. وأكدت مصادر مطلعة أن هناك مخاوف جدية من اتجاه الى الاستغناء عن عدد كبير من الموظفين اللبنانيين العاملين لدى القوة الدولية.
وتصل موازنة مهمة الأمم المتحدة في لبنان الى نحو 500 مليون دولار سنوياً. ويعمل لدى قوات الطوارئ الدولية نحو 300 موظف مدني أجنبي و650 لبنانياً من مختلف المناطق. وتبلغ كلفة كل أجنبي ثلاثة أضعاف اللبناني، ناهيك عن المزايا المالية والوظيفية. وللتوضيح، تبلغ الموازنة السنوية للموظفين الأجانب 65 مليون دولار، في مقابل 35 مليوناً لنظرائهم اللبنانيين. علماً أن «اليونيفيل» تخالف قانون العمل اللبناني بإبرامها عقود عمل مؤقتة تجدد سنوياً، بذريعة أن مهمّتها التي بدأت عام 1978 مؤقتة وتُجدد سنوياً.
وكانت قيادة «اليونيفيل» باشرت في كانون الأول 2013 في تنفيذ برنامج لخفض موظّفيها المدنيين، ووجهت في المرحلة الأولى إنذارات بالصرف لنحو 61 موظّفاً لبنانياً من «قسم الخدمات العامة» و33 أجنبياً. اللافت أن غالبية اللبنانيين الذين وُجهت اليهم إنذارات الصرف كانوا من طائفة معيّنة. لكن قائد القوات الدولية يومها، الجنرال باولوا سييرا، جمّد القرار اثر اتصالات من مسؤولين وضباط لبنانيين ورؤساء بلديات في المنطقة الحدودية حذّرت من تداعياته. وتم الاتفاق على درس خيارات واقتراحات بديلة لخفض النفقات، واجراء دراسة ميدانية جديدة لتحديد الوظائف التي يمكن الاستغناء عنها أو تقليص نفقاتها. ومن بين الاقتراحات الاستغناء عن الأجانب في الوظائف التي يمكن أن يقوم بها لبنانيون ولا تؤثر على القرار السياسي لـ «اليونيفيل»، كعمال صيانة السيارات والهواتف والتدفئة والتبريد والمحاسبة والسكريتاريا وغيرها. إذ لا يعقل، مثلاً، أن تستقدم سكرتيرة من كينيا لأعمال مكتبية، أو عامل صيانة هواتف من الصين. لكن اللافت أن «لبننة الوظائف» لم تطبَّق منذ ذلك الحين إلا في منصب المسؤول عن شؤون الموظفين اللبنانيين في «مكتب شؤون الموظفين». وفي الوقت نفسه استمر التوظيف وسُجل انتساب أكثر من 15 موظفاً في العامين الماضيين. فيما لم يحصل الموظفون على أي زيادة في الرواتب منذ مطلع آذار 2012.
شبهات حول 120 أجنبياً يخضعون لسلطات بلدانهم تحت عنوان «مكاتب أمن خاصة»
وتؤكد مصادر مطلعة أن لا معايير لسياسة التوظيف رغم الاجراءات الشكلية كتقديم الطلب وإجراء المقابلات مع المرشحين. وتقرّ بأن هناك ما يشبه «البطالة المقنّعة»، إلا أنها تحمّل مسؤولية ذلك الى «التوظيف السياسي والزبائني»، والى «التضخم التوظيفي غير المبرر الذي انتهجته القوات الدولية منذ تغير مهمتها عام 2007». وتوضح أن «عدد الموظفين المدنيين لدى قوات الطوارئ الدولية قبل 2007 لم يكن يتعدى الـ 150 موظفاً، علماً أنها كانت تعمل في ظروف أصعب في ظل الاحتلال الاسرائيلي»، مشيرة الى أن «الرقم المنطقي للموظفين هو 400». لكنها تنبّه الى أن «السوابق تنذر بأن الصرف، في حال أُقر، قد يتم وفق معايير طائفية وسياسية» ــــ كما هي الحال في إقرار الترقيات على أساس طائفي ــــ وعلى قاعدة الابقاء على من «يؤمنون بالسلام العالمي والأمن على جانبَي الحدود»! علماً أن بعض الموظفين المعروفين بعلاقتهم بجيش العميل أنطوان لحد بقوا في وظائفهم حتى تقاعدهم عام 2013 من دون أن ترى قيادة «اليونيفيل» في ذلك تأثيراً على الحيادية المفترضة للقوات الدولية.
وتشير المصادر الى أن بين الموظفين الدوليين الـ300 «جيشاً» من 120 أجنبياً يتقاضون مبالغ طائلة ويخضعون لسلطات بلدانهم تحت عنوان «مكاتب أمن خاصة». وتحيط شبهات كثيرة بوظائف هؤلاء وأدوارهم خصوصاً أنهم ليسوا موظفين أمميين، ولا يتبعون للأمم المتحدة.
المصادر نفسها تشير إلى إجراءات عدة تساعد في خفض النفقات، من بينها العودة الى «لبننة» الوظائف من دون استنسابية؛ التخلي عن «جيش المخبرين» في «مكاتب الأمن الخاصة»، أو على الأقل إخراج رواتبهم من موازنة الأمم المتحدة كونهم غير تابعين لها؛ فتح باب التقاعد المبكر مع إعطاء حوافز شفافة وعادلة تحول دون تكرار التمييز في تعويضات الصرف سابقاً. كما تلفت الى إمكان التخفيف من بعض الاجراءات اللوجستية المكلفة، كالتعاقد مع سفينة شحن بأكثر من مليوني دولار سنوياً لنقل الجنود والبضائع بين مرفأي الناقورة وبيروت. ناهيك عن التوسع غير المبرر في القواعد الرئيسية، خصوصاً في مقر القيادة في الناقورة الذي تبلغ مساحته ملايين الأمتار المربعة، ويتضمن مساحات واسعة غير مشغولة تتطلب صيانة دائمة بمبالغ طائلة. علماً أن الدولة اللبنانية تدفع بدلات إيجار العقارات التي تشغلها القوات الدولية كجزء من مساهمتها في مهمة «اليونيفيل». وتلفت المصادر الى أن القواعد الضخمة ضربت بعرض الحائط فكرة «اليونيفيل» الاولى التي كانت تقيم بداية بين الأهالي وتنشر حواجزها بين القرى ما أمّن لها تواصلاً أكثر سلاسة مع المجتمعات المحلية. فيما باتت اليوم تقيم في قواعد مغلقة وتستقدم مكاتب حماية، وتتواصل مع الناس على قاعدة «معنا أو ضدنا»، وهو ما كان قد حذر منه الناطق السابق باسم القوات الدولية (1979 ــــ 2003) التركي تيمور غوكسيل بالقول: «من المعيب ان تهرب اليونيفيل الى رؤوس الجبال بعد ما كانت بين الناس».