Site icon IMLebanon

دياب في الجنوب متفقّداً «اليونيفيل»… لماذا الآن؟!

 

من دون أي مقدمات تقرر أمس الأول أن يزور رئيس الحكومة حسان دياب مقر قيادة قوات «اليونيفيل» في الجنوب مُستطلعاً، في وقت يستعد مجلس الوزراء للبَت بطلب التمديد لها. وبعد ايام على الإشكالات التي شهدتها بلدة بليدا بين الوحدة الفنلندية والاهالي عقب المناقشات في مجلس الامن الدولي والتعديلات المقترحة على قواعد السلوك الخاصة بها ومهماتها. ولذلك، ما الذي تعنيه الزيارة في توقيتها وشكلها ومضمونها؟

 

ثبت بما لا يقبل الجدل انّ زيارة دياب أمس لمقر «اليونيفيل» بصحبة وزيرة الدفاع وقائد الجيش انها لم تكن زيارة تقليدية او روتينية، بل انها حملت في شكلها وتوقيتها ومضمونها كثيراً من الرسائل الى الداخل والخارج في حَمأة الملفات المفتوحة على طاولة الحكومة على اكثر من مستوى اقتصادي ومالي ونقدي وديبلوماسي وأمني. ولذلك، فقد توقفت مراجع ديبلوماسية وسياسية معنية بالعلاقات القائمة بين لبنان والامم المتحدة وقيادة هذه القوات والمؤسسات العسكرية اللبنانية والأجهزة الحكومية المعنية أمام بعض الملاحظات التي تتناسب وحجم النقاش السياسي الدائر حول دور هذه القوات ومحاولات تقليص عديدها وتعديل قواعد السلوك التي عليها اتّباعها لإتمام المهمات التي كلّفت بها، وتحديداً بما حمله القرار 1701 (12 آب 2006) من تعديلات جوهرية ومنها ما يمكن الإشارة اليه في التوقيت والشكل والمضمون كالآتي:

 

– في التوقيت أولاً، جاءت زيارة دياب المفاجئة لقيادة قوات «اليونيفيل» عشيّة طرح ملف التمديد لهذه القوات سنة جديدة على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء غداً الجمعة، وبعد مجموعة الإشكالات التي شهدتها بلدة بليدا الجنوبية بين وحدة من القوة الفنلندية وأهالي البلدة. وهي وإن لم تكن الأولى من نوعها، فهي لن تكون الأخيرة بما تشكّله من خروج على قواعد السلوك في المنطقة ومقتضيات القرارات الدولية. فمجموعة الدول المشاركة في هذه القوات سبق لها ان عانت من إشكاليات سابقة مع أهالي عدد من القرى الجنوبية، وخصوصاً تلك التي تنبري فيها نسوة البلدات وأطفالهنّ الى مواجهة هذه القوات لمنعها من دخولها الأحياء الداخلية مخافة ان تكون مزوّدة بآلات كاشفة للأسلحة المخزّنة فيها. وان كانت هذه العملية من صلب مهماتها كقوة حفظ سلام، فقد أثبت «حزب الله» انه عَطّل هذا الدور أكثر من مرة، وتحديداً عندما استخدم صاروخي «كورنيت» في اتجاه ناقلة جند إسرائيلية (1 ايلول 2019) أثناء عبورها على طريق مكشوفة من جنوب لبنان ومن مواقع قريبة من القوات الدولية المعزّزة المشرفة على الأراضي الفلسطينية المحتلة قرب ما يسمّى «مستوطنة أفيفيم». وهو ما تكرر مرة أخرى عند إسقاط طائرة استطلاع إسرائيلية (31 تشرين الأول 2019) فوق منطقة النبطية أثناء تحليقها بعد ظهر ذلك اليوم فوق بلدات: الدوير، تول، جبشيت، حاروف، وزبدين بعد شهرين على إرسال العدو الاسرائيلي طائرتين استطلاعيتين الى سماء الضاحية الجنوبية لبيروت (24 آب 2019) وانفجار إحداها ضمن الاحياء السكنية وإسقاط أخرى. ورغم تبريرات «حزب الله» بأنها رد على اعتداء اسرائيلي خطير، فقد عدّت القوات الدولية هذه الأحداث خرقاً لبنانياً من جانب واحد لمقتضيات القرار 1701 لمجرد ارتكابه في منطقة انتشارها بمعزل عن الاعتداءات الإسرائيلية اليومية براً وبحراً وجواً…

– في الشكل ثانياً، حملت تشكيلة الوفد الرسمي اللبناني الذي أقلّته المروحية الى الناقورة، والذي ضَمّ كلّاً من رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع وقائد الجيش، رسالة واضحة الى المجتمع الدولي ومجلس الأمن خصوصاً، تؤكد إصراراً على انّ العلاقة القائمة بين هذه القوات والحكومة اللبنانية لم تخرج بعد من إطارها الشرعي والرسمي والحكومي، وانّ حديث البعض عن دور للأهالي في بناء العلاقات بين هذه القوات والمنطقة يشكّل خروجاً على قواعد السلوك التي تحكم نشاط هذه القوات وعلاقتها بالمسؤولين اللبنانيين. فالتعديلات على مهماتها منذ العام 2006 أعطتها مهمة التثبّت من وَقف انتشار ونقل السلاح غير الشرعي في المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني للحَد من حركة مسلّحي «حزب الله» فيها. ولمَن لا يتذكر جيداً بعضاً من هذه القواعد، فقد حَرّم القرار 1701 على مجموعات أخرى غير لبنانية دخول تلك المنطقة إلّا بإذن من قيادة الجيش، وهو ما ينطبق على القيادات الفلسطينية وغيرها من زوّار الجنوب. وهي زيارات خرقت اكثر من مرة عندما زارت قيادات عراقية بدعوة من «حزب الله» المناطق الحدودية الجنوبية. ولم ينس المجتمع الدولي الجولات التفقدية التي قام بها قائد «عصائب الحق» العراقية الشيخ قيس الخزعلي على الحدود الجنوبية، وما تركته من ردات فعل سلبية على العلاقة بين هذه القوات والمراجع الحكومية، وأدّت الى توجيه التهمة للبنان بخرق هذه القواعد والخروج عليها.

– أمّا في المضمون فقد شكّلت تصريحات دياب أثناء الزيارة رسالة إضافية يفترض ان تكون موجّهة الى الداخل اللبناني وقبله الى مجلس الأمن الدولي الذي كان يناقش قبل ايام ملف التمديد لـ»اليونيفيل» على وَقع مطالب أميركية بتقليص عديدها وتغيير في قواعد سلوكها لمزيد من الفاعلية في لَجم السلاح غير الشرعي وتعزيز دور القوات العسكرية اللبنانية الشرعية كقوة وحيدة تسيطر على منطقة انتشارها في الجنوب من دون مشاركة أي قوة أخرى، وخصوصاً اذا كانت «إرهابية» و»غير شرعية»، في إشارة واضحة الى احتفاظ «حزب الله» بسلاحه ومقاتليه في المنطقة. ولذلك فقد اكد دياب، تَجاوباً مع هذه الرغبة الدولية ولقَطع الطريق على أي تعديل مرفوض في قواعد سلوك هذه القوات ودورها، تمسّك لبنان الرسمي بدور هذه القوات ومهماتها كما هي، معتبراً انّ «وجودها هنا ليس بإرادة دولية فحسب، إنما برغبة لبنانية أيضاً»، مجدداً تأكيد تَمسّك حكومته ولبنان بـ»التزام قرار 1701 ومقتضياته كافة كما بالنسبة الى بقية القرارات الدولية المتلازمة معه».

 

والى هذه الملاحظات في تصنيفها المبرّر، فقد شكّلت زيارة دياب والوفد الوزاري والعسكري المعني بهذا الملف للجنوب محاولة لبنانية لِسد ثغرة مهمة يهدّد من خلالها المجتمع الدولي بتغيير مهمات هذه القوات عبر إحداث تعديلات اساسية على قواعد السلوك المتّبعة الى اليوم، وهو ما لا يتحمّله الوضع في لبنان في ظل تنامي الأزمات النقدية والمالية والانهيار الإقتصادي وما خَلّفته جائحة كورونا، ليضيف إليها هماً أمنياً جديداً يهدّد كل ما أنجز جنوباً من هدوء واستقرار لم ينعم به الجنوب من قبل. هذا عدا عن سوء تقدير العالم لأيّ تقصير لبناني لجهة عدم ضبط الوضع جنوباً، ليُضاف الى لومه على تعثّره في دفع مستحقاته المالية الخارجية وعلى باب المفاوضات التي انطلقت مع صندوق النقد الدولي.