شكّل إنفجار المرفأ نقطة تحوّل مركزية إستفاق معها المجتمع العربي والدولي على هول الكارثة، وأيقن الجميع أنهم يتركون الشعب رهينة مسؤولين مهملين لا يرفّ لهم جفن حتى لو تدمّرت العاصمة والضواحي وسقط آلاف الناس.
فضحت صرخات الإستغاثة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجميزة وطلب الشعب منه نجدتهم للتخلّص من هذه الطبقة الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى الإنهيار، من كل مسؤول في هذه الدولة، حيث ظهر للعالم جلياً أنّ هؤلاء الحكّام عاجزون عن إدارة البلد وليسوا أمينين على مقدّراته.
وحتى الساعة، فإن المساعدات الدولية من دول العالم التي هبّت لنجدتنا توضع في إطارها الإنساني، لأن أصدقاء الشعب اللبناني لن يتركوه يموت من الجوع أو على أبواب المستشفيات، وبالتالي فإن كل تسويق السلطة من أن العالم هبّ لنجدتها ليس صحيحاً، وليس كلام ماكرون من أنه يعرف أن لا ثقة للشعب بدولته وبأن المساعدات سترسل مباشرة إلى الشعب، سوى دليل على أن لا مساعدات مالية ستصل إلى هذه السلطة كيفما كان.
أما الموضوع الثاني المهمّ، فهو إعادة إعمار مرفأ بيروت والمنطقة المحيطة به، حيث إن معظم التبرعات هي لإعادة إعمار الأحياء وتلبيةً لصرخات الإستغاثة الإنسانية.
وفي هذا الإطار، علمت “نداء الوطن” أن إتصالات دولية مكثفة تجريها دول عدّة وعلى رأسها فرنسا تتعلّق بطريقة التعاطي مع مرفأ بيروت وإعادة إعماره من جديد ودوره في المرحلة المقبلة، لأن الأمر لن يكون عفوياً أو يتم إرسال أموال إلى الدولة لتهدر أو تذهب إلى غير مكانها الصحيح.
ويملك مرفأ بيروت أهمية استراتيجية، إذ إنّ دوره لا يقتصر فقط على لبنان بل يتجاوزه ليصل تأثيره إلى المنطقة العربية، وقد أخذ مجده بعد نكبة فلسطين وإعلان دولة إسرائيل العام 1948 ومقاطعة الدول العربية لميناء حيفا، ويعتبر مرفأ بيروت حيوياً لكل تجّار البلاد العربية نظراً إلى قربه من دمشق، ويستعمل للترانزيت إلى المنطقة العربية.
وتطرح الدول الراغبة بإعادة إعمار مرفأ بيروت هواجس عدّة حول كيفية إعماره، إذ إنها تصرّ على أن يكون تحت إشراف دولي بعد فقدان الثقة بالحكومة.
أما الشرط الثاني فهو كيفية إدارته بعد إعادة إعماره، خصوصاً ان هناك رائحة فساد كانت تفوح منه وتحرم الدولة اللبنانية مداخيل كبيرة هي في أمسّ الحاجة إليها.
أما النقطة الثالثة فتتعلق بقدرة الدولة على بسط السيطرة عليه نظراً إلى أهميته الإستراتيجية، مع معرفة الداخل والخارج بأن “حزب الله” كان من أكبر الجهات التي تسيطر عليه على رغم إنكار السيد حسن نصرالله هذا الأمر ويستخدمه لأغراض عسكرية وإقتصادية من دون أن تستطيع الدولة فعل شيء مع “الحزب”.
وتتجمّع كل هذه العوامل، لتشكّل نقطة اساسية في بحث المجتمع الدولي في مستقبل مرفأ بيروت، إذ أن هناك رفضاً كاملاً لاستخدامه من قِبل “حزب الله” وإيران بطريقة غير شرعية، مما يضع علامات استفهام حول إدارته وضرورة ضبطه. وهناك أفكار متداولة لم تنضج بعد، حيث قد يكون ملف إعادة إعمار المرفأ تحت إشراف دولي، في حين يقترح بعض المسؤولين الخارجيين أن تساعد قوات طوارئ دولية لبنان في ضبط المرفأ.
ويقترح بعض الديبلوماسيين أن تشمل هذه المساعدة ضبط المطار أيضاً، وأن تتوسّع أيضاً لتصل إلى الحدود البرية الشرقية والشمالية، وتبدي واشنطن حماستها لهذا الموضوع، بينما يدرسه الاوروبيون بجديّة، خصوصاً ان الداخل يطالب بمساعدة دولية لضبط هذه المعابر بعد فشل السلطة بذلك.
ويعلم الجميع أن لبنان مقبل على استحقاق التمديد لـ”اليونيفيل” في آخر هذا الشهر، لكن حتى لو مرّ هذا الإستحقاق من دون تعديل في مهامها، فإن مجلس الأمن الدولي يستطيع أن يجيز في قرار ثانٍ قد يكون منفصلاً نشر قوات دولية في المرفأ والمطار والحدود البرية من أجل مساعدة الأجهزة الأمنية اللبنانية على ضبط الحدود ووقف التهريب واستنزاف خزينة الدولة، وعزل لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية.
إذاً، ما قبل انفجار 4 آب ليس كما بعده، وبالتالي فإن تدويل الأزمة اللبنانية حتى لو كانت ذات طابع إقتصادي هي من أحد أهم شروط الحلّ، لأن الشعب الذي فقد ثقته بالطبقة الحاكمة يريد مساندة دولية من أجل المباشرة بالتغيير وحماية مؤسساته وخيراته.