IMLebanon

هل يخضع لبنان للوصاية الدولية؟

 

«اليونيفيل» في بيروت منذ أكثر من أسبوع. بآليّاتها الثقيلة، تنتشر في المرفأ وتساعد الجيش. ربما يقال: هي لا تُقدّم كثيراً ولا تؤخّر، لا في رفع الأنقاض ولا في ضبط الحركة غير الشرعية. وهذا صحيح بمقدار معيّن. لكن، مغزى الخطوة يكمن في مكان آخر.

للمرّة الأولى خرجت «اليونيفيل» من «بيتها» جنوب خط الليطاني، وجاءت لمساعدة الجيش في منطقة أخرى، وبالتنسيق معه، وفقاً لنص الفقرة 14 من القرار 1701: «يطالب (القرار) حكومة لبنان بتأمين حدوده وغيرها من نقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة أو ما يتصل بها من عتاد إلى لبنان من دون موافقتها، ويطلب إلى قوة الأمم المتحدة الموقّتة (…) مساعدة حكومة لبنان عندما تطلب ذلك».

 

منذ صدور القرار عام 2006، ارتفعت أصوات كثيرة تدعو «اليونيفيل» إلى الانتشار على الحدود الشرقية، مع سوريا، لضبط فلتان الحدود، ومساعدة الجيش اللبناني في مهمته الصعبة هناك، إلتزاماً بمنطوق هذه الفقرة. لكنّ «حزب الله» حال دون ذلك، فهو أساساً لا يَستسيغ الوصاية التي تمارسها «اليونيفيل» جنوباً، ويعمل على ضبطها. وبالتأكيد، هو يرفض توسيع وصايتها لتشمل نطاقه الحيوي في البقاع.

 

معروف أنّ «الحزب» لم يتقبّل القرار 1701، بعد حرب تموز، إلّا مرغماً. وهو يعتبره محاولة من الولايات المتحدة وإسرائيل لتحقيق الأهداف التي عجز الإسرائيليون عن تحقيقها في الحرب. ويقرأ «الحزب» بنود القرار بتمعُّن، ويرى أنه عملياً أداة للوصاية الدولية. ولذلك، هو يمارس الضغوط لمنع أي حكومة لبنانية من مطالبة «اليونيفيل» بتوسيع نطاق عملها شمالاً.

 

ولكن، اليوم، يصمت «الحزب» إزاء انتشار «اليونيفيل» في المرفأ. وصحيح أنّ الذريعة المعلنة هي أنّ مهمتها هناك موَقَّتة ومحدودة وذات طابع إنساني إجمالاً، ولكن الصحيح أيضاً، هو أنّ الحكومة «تجرّأت» واتخذت قراراً بالتنسيق مع «اليونيفيل» في بيروت، أو هي تجاوبت مع المطالب الدولية في هذا الشأن، متجاوزة اعتراضات «الحزب» المعروفة. لماذا؟

 

المطلعون يقولون: لم يعد «الحزب» قادراً على استخدام كل أوراقه، كما كان يفعل دائماً، بسبب العقوبات المتصاعدة التي يفرضها الأميركيون على مؤسساته وكوادره ومصادر تمويله وشركائه، حتى في داخل الطائفة الشيعية. ويتردّد أنّ هذه العقوبات على وشك أن تشهد فصولاً أكثر تشدداً. وفي ظل انهيار اقتصادي ومالي ونقدي لا قعر واضحاً له، يبدو أنّ مرحلة جديدة بدأت تتبلور في لبنان.

 

سيواصل الفرنسيون تقديم «الجزرة» حتى انتهاء مهلة الأسابيع الـ6، لكنّ «العصا» الأميركية جاهزة: العقوبات. وعلى وقع «العصا والجزرة»، تنتظرُ لبنانَ طاولتان للمفاوضات ستحددان مصيره سياسياً واقتصادياً ومالياً وأمنياً:

1 – المفاوضات التي يُفترض أن تنطلق خلال الأيام القليلة المقبلة لترسيم الحدود البحرية وتَقاسم بلوكات الغاز هناك بين لبنان وإسرائيل، وترسيم الحدود البرية لاحقاً، وصولاً إلى المنطقة الأكثر حساسية سياسياً بين لبنان وسوريا وإسرائيل، مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

 

سيذهب لبنان إلى المفاوضات، ببراءة وبطاقمه العسكري، من أجل مفاوضات «تقنية» وغير مباشرة. لكنّ إسرائيل تطمح إلى مفاوضات أخرى: مباشرة، ويقودها من الجانب الإسرائيلي وزير الطاقة يوتال شتاينيتس، وتتمادى لتتخذ طابعاً سياسياً.

 

طبعاً، يرفض لبنان أي محاولة للانزلاق نحو الهدف الإسرائيلي، ولو اضطر إلى تعطيل المفاوضات. وسيكون الموقف الأميركي، على الأرجح، وفي شكلٍ أوّلي، مُتفهّماً لموقف لبنان المعلن في الاتفاق – الإطار. ولكن لا أحد يضمن الحدود التي يمكن أن يستمرّ فيها هذا التفهُّم. وربما يؤدي التضارب إلى تعطيل المفاوضات باكراً.

 

2 – المفاوضات المعلّقة مع صندوق النقد الدولي. وهنا الصورة واضحة تماماً: لن يحصل لبنان على الدعم من أي جهة دولية ما لم يحظَ بغطاء الصندوق. وهو لن يحصل على هذا الغطاء إلا إذا استجاب لبرنامج الإصلاح المالي- السياسي- الإداري المعروف. ولا يمكنه أن يستجيب لهذا البرنامج لأنّ الطاقم المُمسِك بالسلطة يحتمي بـ»حزب الله». ولذلك، قد تبقى المفاوضات عالقة، أو تتعطّل سريعاً عند استئنافها.

 

إذاً، قد يكون لبنان أمام مشهد تعطيل المفاوضات، في الناقورة وفي صندوق النقد. واللافت أنّ الكلمة الأساس للأميركيين هنا وهناك. ففي الناقورة وساطتهم هي الركيزة، وفي الصندوق هم يمتلكون غالبية القرار. فماذا لو قرروا الضغط على لبنان ليمشي بالمفاوضات، هنا وهناك، ويوافق على المعايير المطروحة عليه؟

 

ليست للبنان قدرة على مواجهة المجتمع الدولي، بعدما أضعفه طاقم السلطة بفساده وارتهانه للخارج حتى أوصله إلى الانهيار. وسيكون محتاجاً إلى الترسيم لعلّ مَسار التنقيب عن الغاز يخفّف من أزمته المالية الخانقة. وللغاية إيّاها هو يحتاج إلى دعم صندوق النقد بأي ثمن.

 

على الأرجح، سيرضخ لبنان للوصاية الدولية تدريجاً. وستكون وضعية «اليونيفيل» جزءاً من هذا الاتجاه. وللتذكير، الأميركيون يمسكون اليوم بالقرار المالي والمصرفي في لبنان، وبدعم الجيش، وبالوساطة مع إسرائيل.

 

وللتذكير أيضاً، التقى مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر، في زيارته الأخيرة، أركان السياسة والمجتمع المدني وتجاهَلَ تماماً أركان السلطة، أي انهم سقطوا في النظر الأميركي.

 

أمّا الفرنسيون، فقد تَجرّأ رئيسهم إيمانويل ماكرون على الطبقة السياسية بنحو غير مسبوق، وهَدّدهم بالعقوبات، وبَدا أنه يمارس «المَوْنة»، بل السطوة، عليهم. وتَسمية رئيس للحكومة هي اليوم جزء من المبادرة الفرنسية. فهل هناك دلائل أقوى على اتجاه تدويل الوضع اللبناني؟

 

المثير هو أنّ «حزب الله»، المُعترض الأول على التدويل، هو الذي استدعى القوى الدولية إلى الساحة، لمجرد كونه طليعة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. وهذا ما سيقوده إمّا الى مواجهة أكثر عنفاً مع الولايات المتحدة، وإما إلى صَفقة معها. وفي الحالين، ستكون هناك انعكاسات مُهمّة على لبنان.