Site icon IMLebanon

ديل كول يعبث بأمن الجنوب: إحياء فكرة كاميرات التجسّس | فرنسا وأميركا تفشلان في تعديل مهمّة «اليونيفيل»

  

 

فيما يتوقّع أن تمدد مهمة اليونيفيل في الجنوب من دون تعديلات تذكر، يستمر ديل كول بانحيازه الواضح للعدوّ عبر خطة العودة للحديث عن نشر كاميرات للمراقبة في الجنوب، بعد التمديد للقوة الدولية. بينما يحاول العدوّ الإسرائيلي استغلال الأزمة اللبنانية عبر إشاعة أخبار عن تهريب أسلحة ومخدرات عبر الحدود والترويج لمشروع «الجدار الطيّب»

 

مرة جديدة يحضر الملفّ اللبناني على طاولة مجلس الأمن الدولي، من بوابة التمديد لقوات الطوارئ العاملة في الجنوب، «اليونيفيل»، خلال النصف الثاني من شهر تموز كل عام، وحتى نهاية آب، الموعد التقليدي لتمديد عمل القوّة الدولية في لبنان. إلّا أن اللافت هذه المرّة، هو غياب التسريبات الإعلامية وحملات البروباغندا التي اعتاد العدوّ الإسرائيلي والأميركيون تسويقها قبيل كل تمديد، والهادفة إلى إعداد الأرضية اللازمة في مجلس الأمن مع الدول الأعضاء لفرض تعديلات على مهام القوة الدولية، والتي كان آخرها ما حصل في عام 2017، من إدخالٍ لمفهوم «التحقّق» كواحدة من مهام الجنود متعددي الجنسيات.

 

في الأشهر الأخيرة، كان التوتّر سيّد الموقف على الحدود الوهمية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، لا سيّما مع اندلاع المواجهات داخل فلسطين، والتحركات الشعبية في الجنوب والجولان والأردن، واستشهاد محمد طحّان بنيران الاحتلال في الجنوب، وتفاقم الانهيار الاقتصادي – الأمني – الاجتماعي في لبنان. وزاد التوتّر مع الصليات الصاروخية المتعددة التي انطلقت من الجنوب نحو الداخل المحتل وقيام العدوّ بعمليات قصف لمحيط إطلاق الصواريخ، وتكرار عمليّات خرق الحدود من قبل مهاجرين وإطلاق العدوّ إشاعات عن عمليّات تهريب للسلاح والمخدرات عبر الحدود. فضلاً عن المواجهات المتعدّدة التي حصلت بين أهالي بعض القرى الجنوبية وعدة دوريات من القبعات الزرق كانت تحاول إدخال مواد بناء ومعدات لوجستية لبناء أبراج وترميمها بهدف تركيب 39 كاميرا، تُعوّض النقص الاستعلامي التقني الذي تفتقده كاميرات العدوّ الإسرائيلي في العديد من البقع «الميتة» جغرافياً بالنسبة للعدو، على الحدود.

 

(هيثم الموسوي)

 

وسط كلّ هذا، أخذت القوات الدولية منحىً مغايراً عن سلوكها الصدامي الذي كرّسه القائد الإيطالي الحالي ستيفانو ديل كول مع أهالي الجنوب، واختارت الانكفاء بهدف تبريد الأجواء قبل تمديد مهمتها، التي باتت مطوّقةً بالخطر، ليس على سلامة الجنود الدوليين فحسب، بل على المهمّة بحدّ ذاتها، كلّما زادت حدّة الصدام.

وعلى غير عادة، لم يرشح الكثير عن الجلسة المغلقة التي حصلت في نيويورك الأسبوع الماضي، سوى ما قاله مندوب العدو داني دانون من اتهامات عن تهديدات المقاومة، وما نشره حساب وزارة خارجية العدوّ على تويتر من تسريبات لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول مهام القوّة، وفيه مقاطع تخدم دعاية العدو عن «خروقات» لبنان للقرار الدولي 1701. وبحسب المعلومات، فإن النقاش الأبرز هو حول إدخال تعديلات تسمح للقوات الدولية بمدّ الجيش اللبناني بمساعدات غذائية ولوجستية مباشرة من القوات الدولية، وبخاصة للقطعات العاملة في الجنوب.

وفيما لا يتوقّع أي مصدر غربي أو محلّي مطلّع على سير المناقشات أي تعديل جوهري في مهام القوّة، تكشف مصادر غربية عن محاولات أميركية – فرنسية – إسرائيلية لفرض تعديلات تعكس تبدّلاً جوهرياً في مهام القوّة وتحوّلها إلى قوة احتلال مقنّعة. وبحسب مصدر غربي، فإن المحاولات الثلاثية حملت اقتراحات تحت عنوان «حرية الحركة»، وعلى رأسها الدخول إلى الأماكن المغلقة والتي تستهدف مناطق عمل جمعية «أخضر بلا حدود»، وعمليات التحقّق والتفتيش. لكنّ اللافت هو محاولة الفرنسيين إدراج بند توسيع مهمّة القوات الدولية لتشمل الحدود اللبنانية – السورية ونشر نقاط مراقبة دولية عليها، تضاف إلى 83 برجاً موّلها الأميركيون والبريطانيون على الحدود الشرقية بهدف أساسي هو مراقبة تمرير السلاح والعتاد للمقاومة وعزل لبنان عن سوريا. إلّا أن مجرّد طرح هذه التعديلات في الكواليس، قوبل بمواقف متشدّدة من قبل عدّة دول يشارك جنودها في المهام الدولية، لا سيّما إسبانيا وإيطاليا وإندونيسيا، التي اعترضت على إدخال تعديلات على مهمة القوة، وهدّدت بسحب جنودها لما يشكّله هذا التحوّل من تهديدٍ على سلامة قواتها. هذا التشدّد دفع الفرنسيين والأميركيين إلى التراجع فوراً عن محاولاتهم. في المقابل، تنفي مصادر أخرى معنيّة بالملفّ أن يكون الفرنسيون في «وارد الدخول في مغامرات من هذا النوع».

 

حاول الفرنسيون إدراج بند توسيع مهمّة اليونيفيل لتشمل الحدود اللبنانية – السورية ونشر نقاط مراقبة دولية عليها

 

 

وتزامنت هذه الأجواء، مع نشر الأخبار عن اقتراح لجنة الدفاع والأمن في البرلمان الفرنسي لتشكيل ما أسمته «تاسك فورس» أو قوّة مهام عسكرية، تحت عنوان إنساني للتدخّل في لبنان. وهذا الاقتراح – الذي عادت فرنسا وتراجعت عنه لاحقاً بذريعة «خطأ في الترجمة» وأن اقتراحات اللجنة النيابية غير ملزِمة للحكومة في باريس، وتأكيد أن القوّة تتشكّل من فرق مدنيّة – لا يخرج عن «الهجمة» الفرنسية الدبلوماسية – السياسية – الاقتصادية – الأمنية التي تقوم بها الأجهزة الفرنسية المختلفة تجاه لبنان للتأثير في الانتخابات النيابية المقبلة وضمان السيطرة على حصة للفرنسيين من المشاريع الاقتصادية التي ستُقام في لبنان، فضلاً عن المرافق الحيوية المنوي خصخصتها. ولكن مع كل التصعيد الفرنسي الإعلامي، والدعوات السياسية من بعض اللبنانيين للتدويل والتدخل الخارجي، والتناغم بين رئاسة الأركان التابعة للفرنسيين في «اليونيفيل» والشرطة العسكرية وبعض أقسام الأمن وعناصر محطة الاستخبارات الفرنسية في سفارة باريس في بيروت، ومع انحياز ديل كول الكامل للعدوّ الإسرائيلي، يحاذر الفرنسيون «كسر الجرّة» مع المقاومة. فلا هم يرغبون بتكرار مشهد القوات المظلية على شواطئ بيروت في 1982 من أجل لا شيء، ولا يقدرون على تغيير المعادلة، فيتراجعون دائماً قبل حدّ الصدام بقليل ويحرصون على «أخذ الرضى» قبل أي تحرّك عسكري، على غرار ما حصل بعد انفجار 4 آب مع 700 جندي فرنسي أتوا إلى بيروت ثم غادروها.

ولعلّ أكثر ما يخشاه الأوروبيون، وبات يتردّد على لسان دبلوماسيين غربيين من أكثر من دولة، هو الحديث عن قوات روسية تابعة للشرطة العسكرية الروسية قد تنضمّ لقوات «اليونيفيل» على غرار القوات الروسية في الجنوب السوري، وما يعني ذلك من توسّع للدور العسكري الروسي على شرق المتوسط، مع نجاح روسيا بمدّ جسور مع الجميع وفقدان الأوروبيين لأدوارهم. ويبدي الأوروبيون اهتماماً شديداً لمراقبة التطوّر الملحوظ في العلاقة بين روسيا وحزب الله.

 

بروباغندا العدو حول التهريب

بدوره، يركّز العدو في الفترة الأخيرة على ترويج الإشاعات عن عمليّات تهريب للأسلحة من القطاع الشرقي في الجنوب باتجاه الداخل المحتل. وتصيب هذه الحملة الإعلامية عدّة أهداف: التأكيد على أن المقاومة تقوم بخرق الحدود وتهديد «الاستقرار» في الجنوب، مساعدة ديل كول على ترويجه لمشروع الكاميرات الذّي توقّف بالقوّة بعد اعتراضات الأهالي، تبرير التحركّات العدائية من جانب العدو باتجاه الجنوب وأخيراً تبرير مشروع العدو إنشاء جدار كامل يمتدّ من الناقورة وحتى مزارع شبعا، قد تصل كلفته إلى حوالي مليار ونصف دولار، مع الخشية العميقة من دخول قوات النخبة في المقاومة إلى منطقة الجليل ومنها إلى عمق فلسطين المحتلة في أي مواجهة مقبلة. وبات هذا الهاجس أيضاً، عامل قلقٍ لدى المستوطنين في مستوطنات الشمال المحتل وعامل ضاغط على القيادة العسكرية والسياسية في كيان العدو.

إلّا أن دعاية العدو، لا تأخذها أكثر من كتيبة من القوات الدولية على محمل الجدّ، حيث تظهر بمقارنة بسيطة في آخر عملية تهريب أعلن عنها العدو، أن الأسلحة المعروضة وقيل إن جيش الاحتلال صادرها وأعلن أن قيمتها حوالي 2 مليون دولار، هي في الحقيقة تساوي نحو 10 في المئة من هذا المبلغ، ويظهر من بينها أسلحة من صنع العدو.

وتأخذ أيضاً هذه الدعاية، مجالاً للتأثير في العلاقات الداخلية بين الكتائب المختلفة في القوات الدولية. فالتركيز دائماً على خروقات في القطاع الشرقي، تضع الكتيبة الأسبانية في عين الاستهداف، في ظلّ الصراع بين الإيطاليين والإسبان حول هويّة خليفة ديل كول بعد ثلاثة أشهر من الآن، إذ يسعى الإيطاليون للاحتفاظ بهذا المنصب فيما يطمح الإسبان إلى استعادته.

 

يخشى الأوروبيون ما يحكى عن احتمال انضمام قوات من الشرطة العسكرية الروسية إلى القوات الدولية

 

 

أما ديل كول، الذي أثبت انحيازاً كاملاً للعدو الإسرائيلي طوال مدّة خدمته، فهو لم يتوقّف عن سعيه لنيل رضى الأميركيين قبيل انتهاء مهمّته. إذ إن القائد الإيطالي وبحسب ما علمت «الأخبار»، يعتزم العودة إلى التحريض وتسويق مشروع الكاميرات بعد التمديد للقوّة الدولية لهدفين: الأول كسب الموافقة الأميركية لنيل مناصب متقدّمة في الأمم المتّحدة في نيويورك ولو كان ذلك على حساب توريط القوات الدولية في صراع مع الأهالي. والهدف الثاني هو توريط القائد المقبل للقوات الدولية أيّاً كانت جنسيته وتموضعه، بمواقف عالية السقف من مشروع الكاميرات المعادي لأهالي الجنوب وخصوصياتهم. علماً بأن العديد من الدول، الآسيوية والأوروبية، بعدما تبيّن لها موقف لبنان الرسمي والشعبي، أبلغت كتائبها العاملة في الجنوب اللبناني بأنها غير معنيّة بهذا المشروع، طالبةً منها عدم السّير بمغامرات ديل كول «الشخصية». ويحاول ديل كول في الفترة الأخيرة، الالتفاف على قيادة جنوب الليطاني في الجيش اللبناني التي يرأسها العميد مارون القبياتي، والتوجّه مباشرة نحو مكتب قائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة، على اعتبار أن الأخير أقلّ تشدّداً من ضباط الجنوب في التعامل مع ديل كول. إلّا أن هذا الاستيعاب من جانب قائد الجيش لم يُترجم تماهياً مع طلبات ديل كول، بل على العكس، يوقن ضباط الجيش في وزارة الدفاع النوايا الخبيثة لديل كول وبات بعض هؤلاء لا يخفون نظرتهم اتجاهه وتوصيفه بـ«السطحي» و«الكاذب» بسبب تلفيقه التهم للمقاومة والجيش في الجنوب.

 

«الجدار الخبيث»

الشهر الماضي، أعلن العدو على لسان وزير حربه بيني غانتس، أنه عرض تقديم مساعدات للبنان لمواجهة الانهيار الاقتصادي. وهذا «العرض» ليس جديداً، إذ يعمد العدو عند كلّ أزمة مثل الكورونا وانتشار داء الكلب في الجنوب والحرائق، إلى تقديم عروض من هذا النوع عبر رئيس قسم العلاقات الاستراتيجية في جيش الاحتلال التابع لرئاسة الأركان الجنرال آفي ديفرين، والذي يرأس بدوره وفد جيش الاحتلال الذي يشارك في الاجتماع الثلاثي في الناقورة مع الجيش اللبناني واليونيفيل. إلّا أن ديفرين قدّم عرضه، هذه المرة، باتصال هاتفي مع ديل كول، ربّما بسبب عدم انعقاد الاجتماع الثلاثي. ويهدف العدوّ من هذه البروباغندا إلى ترويج ما يسمّيه مشروع «الجدار الطيّب» على غرار ما حصل في الجنوب قبل الاجتياح الإسرائيلي بهدف بناء شبكات متعاملة ومناطق نفوذ للعدو في جنوب لبنان مع توسّع الفوضى في البلد وتفاقم الانهيار، وكذلك الأمر مثل تجربة «مديرية حسن الجوار» التي أنشأها العدو في الفرقة 91 المنتشرة في الجولان المحتلّ للتغلغل في الجنوب السوري. وفي شتى الأحوال، فإن أي محاولة من هذا النوع لاستغلال الفوضى في الداخل اللبناني، لن تؤتي ثمارها، لأن الفوضى الشاملة في لبنان ستطال أوّلاً الحدود الوهمية مع فلسطين المحتلة، وتحرّر المقاومة من أي ضوابط أمنية أو عسكرية أو شعبية كانت تحافظ عليها مراعاة للقرار الرسمي اللبناني.