تختلط على أرض الجنوب الأجندات السياسية، إلا انّ الأجندة الدولية على ما يبدو تتعرض للاهتزاز، نتيجة الاعتداءات المتكرّرة على جنود حفظ السلام، مطلقة رسائل سياسية عدة، ومهدّدة كل أمن وسلام.
هي ليست المرة الأولى منذ العام 1978، التي تتعرض فيها قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «يونيفيل»، لاعتداء. اعتداءان في أقلّ من أسبوعين، الأول في 22 كانون الأول من السنة الفائتة في بلدة شقرا الجنوبية، وذلك بعد ساعات قليلة على مغادرة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس بيروت، ومواقفه اللافتة من سلاح «حزب الله»، والثاني، في 4 كانون الثاني من السنة الجديدة في بنت جبيل.
وعلى أثر هذه الاعتداءات، صدر بيان قاسي اللهجة عن القوات الدولية، تمحور أولاً حول دعوة الحكومة اللبنانية إلى «التحقيق السريع والشامل ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم».
وثانياً، حول رفض «التضليل الاعلامي»، وثالثاً والأهم، تضمين البيان عبارة «الجهات الفاعلة التي تتلاعب بسكان المنطقة لخدمة أغراضها».
وفيما يقرأ المحلّلون السياسيون أنّ ورود هذه العبارة في بيان «اليونيفيل» تلميح واضح على ان الحادثتين مدبّرتان، ليس في دوائر «اليونيفيل» معطيات ملموسة حتى الآن تشير إلى الجهة المعتدية.
إنّما ما يزعج قيادة اليونيفيل التضليل الاعلامي الممنهج في كل مرّة يتم فيها الاعتداء على عناصرها، وكَيْل الاتهامات بنحو مدبّر، خصوصاً أنّ هذا الأمر لا يمت للحقيقة بصلة. فـ»اليونيفيل التي لا تعتبر نفسها أنها في بيئة معادية، جنودها لا يعتدون على الأملاك الخاصة، ولا يلتقطون الصور بأي خلفية أمنية»، بحسب ما يؤكد مصدر أمني جنوبي لـ«الجمهورية».
ويشرح المصدر الأمني أن لليونيفيل «حريّة الحركة وحق القيام بدوريات من دون مواكبة الجيش اللبناني، إنما بالتنسيق معه. هذا يعني أنّ القوات الدولية التي تقوم يومياً بمئات النشاطات، من دوريات وغيرها، ليس من الضرورة أن يكون الجيش اللبناني موجوداً فيها كلّها، إنما يتم إبلاغه مسبقاً بهذه النشاطات. ومحاولة التصوير أن الجيش يجب أن يواكب اليونيفيل في تحركاتها أمر خاطئ، وهدفه بث المعلومات المغلوطة عمداً». ويؤكد ان «الجيش هو شريك اليونيفيل الاستراتيجي، وهناك تنسيق وتوافق دائمين معه. وقيادة اليونيفيل تعمل اليوم على تطبيق توصية مجلس الأمن في شأن تقديم ما أمكن من دعم ومساعدات للجيش اللبناني. وبالتالي العلاقة مع الجيش ممتازة ومستمرة واستراتيجية. وفي إطار تأكيد متانة العلاقة بين القيادتين العسكريتين الدولية واللبنانية، وعلى عكس ما يطلب البعض، فإن اليونيفيل على سبيل المثال ليست مخوّلة تنفيذ أي اعمال دهم لأي اماكن مشتبه بها، هي فقط، تُعلم الجيش اللبناني، صاحب السيادة، بوجود شبهة حول أماكن معينة، ليقوم بمهماته تجاهها».
وبات معلوماً، وفق اليونيفيل، أنّ «الدورية المجرية التي اعتُدي عليها في بنت جبيل، على عكس المعلومات المضللة التي يتم نشرها، لم يكن جنودها يلتقطون الصور ولم يكونوا في ملكية خاصة، بل كانوا في طريقهم للقاء زملائهم في القوات المسلحة اللبنانية للقيام بدورية روتينية مشتركة». لكنّ الحادث وقع قبل لقاء عناصر الجيش، فعمد بعض الأشخاص إلى قطع طريق الدورية، وتطويقها، ومهاجمة الجنود معنوياً، واتهامهم بتصوير أماكن ممنوعة، طالبين الحصول على أغراض عسكرية وأجهزة رصد ومتابعة بحوزة الجنود الدوليين.
الاتهامات نفسها نُشرت على أثر حادثة بلدة شقرا، والحديث عن تصوير واعتداء على أملاك خاصة، وبث معلومات خاطئة، في حين أن ما أشيع عن دهس احد الشبان لم يكن صحيحاً، وهو ما اكده رئيس بلدية شقرا. جل ما جرى، بحسب المعلومات، انه عندما تجمّع عدد من الشبان حول الدورية في شقرا، وتفادياً لأي اصطدام أو توتر، قرر جنود اليونيفيل مغادرة المكان، ولدى مغادرتهم لمس «الجيب» احد الشبان، ولم يتعرض أحد لعملية دهس».
ويقول المصدر الأمني ساخراً: «التركيز على مسألة التصوير غريبة فعلاً. فهل من يحضّر لأي عمل امني يخرج علناً، بموكب عسكري، وببزته العسكرية، ويعمد إلى تصوير أماكن حسّاسة وممنوعة كما يدّعون؟ «فإذا كانت غاية اليونيفيل القيام بعملية استعلام، فإنّ باستطاعتها إرسال اشخاص مدنيين لتنفيذ هذه المهمة». ويتابع: «إنّ بث معلومات مغلوطة وهادفة يخلق توتراً وشحناً في النفوس. وهو أمر واضح في بعض الماكينات الاعلامية. فمنذ فترة وجيزة، أثير اشكال اعتراضاً على كاميرات ستضعها اليونيفيل في الجنوب، علما ان هذا القرار صدر عن مجلس الأمن، ووافق عليه الجيش اللبناني». ويضيف: «سوء التفاهم بين الأهالي واليونيفيل أمر قد يحصل عرضيا، إنما تكرُّر الاعتداءات يطرح كثيرا من الشك حول وجود من يحرّك هؤلاء الشبان. وبالتالي، فإن حملة الاشاعات ليست صحيحة، وهي ذريعة لتنفيذ الاعتداء، لأن الجنود لا يلتقطون الصور في العادة أثناء الدورية، وهم كانوا ضمن الأملاك العامة، والدورية كانت في مهمة أمنية وفي طريقها لملاقاة الجيش».
عادة ما يخضع عناصر «اليونيفيل» لدورات توعوية تثقيفية لا سيما منهم الجدد، حول ماهية المنطقة التي يوجدون فيها وثقافتها وعادات سكانها وتقاليدهم، لتفادي أي أخطاء مع السكان المدنيين. وبالتالي، يؤكد المصدر ان الإشكال الذي حصل مع الفرقة الفنلندية في بلدة شقرا، والمجرية في بنت جبيل، لم يكن سببه خطأ من عناصر دورية قوات حفظ السلام.
وإذ يوضح أن لا مصالح أو اطماع سياسية لفنلندا أو المجر في لبنان، يستغرب الاعتداء على دوريتيهما، ويشير إلى أن علاقة اليونيفيل مع المجتمع المحلي في قرى الجنوب ومع البلديات والمخاتير والفاعليات ممتازة.
ويلفت الى ان «عملية شيطنة قوات الأمم المتحدة «تراند» موجودة في العديد من البلدان، وليس فقط في لبنان. وبالتالي، ما تريده قيادة اليونيفيل التي لها علاقة جيدة مع الدولة اللبنانية وتتمتع بدعم رسمي كبير، أن تتوقف هذه الاعتداءات، وعدم اعتراض حرية حركتها. هي اليوم وغدا مستمرة في مهماتها، ولن توقفها أيّ أعمال عدائية. هي قوات حفظ سلام، تعمل تحت الفصل السادس، مهمتها مراقبة تطبيق الـ1701 بشكل جيد».
في القراءة السياسية للاعتداءين المتكررين على اليونيفيل، يضعهما مصدر سياسي «في خانة الرسائل السياسية المواجهة للأمم المتحدة، والتي تقول ان على اليونيفيل ان تتعايش مع حالة الأمر الواقع في جنوب الليطاني، وأن اي محاولة لتعديل مهماتها ستواجه كما ووجهت في شقرا وبنت جبيل، وبالتالي من غير المسموح تعديل هذه المهمة».
ويشير الى «ان الاعتداء تزامَن مع هجمة السيد حسن نصرالله على المملكة العربية السعودية، وفي التوقيت الذي يعمل فيه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على إعادة وصل ما انقطع مع المملكة». ويرى «ان مهاجمة اليونيفيل والسعودية في آن يعني ان هناك قرارا ايرانيا بتوتير الواقع في لبنان، وان ايران تريد ان توجه رسالة الى الأمم المتحدة وإلى السعودية وإلى دول الخليج والمجتمعين العربي والدولي، مفادها «إمّا ان تطبّعوا مع سياسة الامر الواقع كما نحن نقررها واما الخروج من لبنان». اذ ليست مصادفة ان يتزامن هجوم «حزب الله» على المملكة وعلى اليونيفيل للقول ان «لبنان تحت سيطرتنا ولا نريد تدخلا دوليا فيه، وسيبقى تحت إشرافنا ومظلتنا ونحن من نقرر فيه». ويرى المصدر ان «الهجوم تزامن أيضاً مع الكلام عن المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود. وهي رسالة الى واشنطن مفادها ان اي ترسيم للحدود سيكون بعلم الحزب وتحت إشرافه وتحت رحمة صواريخه، ولن يتحقق إلّا بشروطه».