للمرّة الأولى، منذ آب 2006، تجد القوّات الدولية العاملة في جنوب لبنان نفسها، أمام تهديدٍ جديّ داهم باندلاع حربٍ واسعة بين المقاومة والعدوّ الإسرائيلي. وعلى الرغم من التوتّرات السابقة على الحدود طوال الـ 17 سنة الماضية، ومرور «ستاتيكو» الهدوء في الجنوب بلحظات عديدة حرجة، إلّا أن عمليّة «طوفان الأقصى» وما يليها من أحداث على الحدود مع فلسطين المحتلة، تضع قيادة القوّات الدولية أمام تحديات حقيقيّة، أهمّها قدرة القوات على تنفيذ مَهامّها والحفاظ على أمنها.
ولعلّ «أخطر» ما تواجهه القوّات، هو الغموض الذي يسود الجبهة، وعدم قدرة اليونيفل على التنبّؤ بالأحداث، مع ارتباطها الوثيق بسير العمليات العسكرية للعدوان على غزّة. القائد الإسباني، الجنرال أرولدو لاثارو، الذي يشارك منذ أيام في الاتصالات الدولية، وفي نقل رسائل «التهديد والتهدئة» بين العدوّ والحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، قدّم أول من أمس موجزاً حول الوضع في منطقة عمليات القوّات عبر فيديو مصوّر، يختصر ضبابية المشهد. قال لاثارو: «الوضع مستقر ولكن متقلّب».
«لم تغيّر اليونيفل أو تخفّض من عملياتها اليومية بشكل عام»، على ما يؤكّده الناطق الرسمي باسمها أندريا تيننتي، على الرغم من بعض التغييرات الطفيفة على حركتها، ولا سيّما خلال تبادل النيران، حيث يطلب من الموظّفين النزول إلى الملاجئ وفقاً لإجراءات السلامة. يؤكد تيننتي أن «الدوريات إجمالاً تعمل بشكل طبيعي، وكذلك تستمر النشاطات المدنية وتبادل الزيارات مع المسؤولين المحليّين في البلدات». لكنّ تيننتي يكشف عن بعض الإجراءات الأمنية المتعلّقة بالموظفين والطلب إلى عدد منهم العمل من المنزل، وتقيّد الموظفين بالحدّ من الحركة غير الضرورية وعدم التنقّل في مناطق محددة.
الهدوء الذي ساد الجنوب أول من أمس، انعكس ارتياحاً نسبيّاً لدى قيادة القوّات الدولية، بعد افتراض اليونيفل أن ردّ المقاومة على اعتداءات العدوّ على نقاط مراقبة تابعة لها واستشهاد ثلاثة من عناصرها، بقصف مركّز لقيادة فرقة الجليل وقيادة كتيبة تابعة للواء الغربي واستهداف ناقلة جند لجيش العدوّ، قد انتهى. لكن سرعان ما قضت اعتداءات العدوّ أمس على التفاؤل في قيادة القبعات الزرق، ولا سيما بعد قصف العدو مواقع للمقاومة والجيش اللبناني واستهدافه الصحافيين، ما أدّى إلى مقتل أحدهم وإصابة آخرين بجروح متوسطة.
اليونيفل، «تثق بعدم رغبة الطرفين بالتصعيد، لكنّها تخشى الانزلاق». وعلى عكس المرات السابقة، كان ميزان الرّدع القائم مانعاً لنشوب الحرب رغم التوتّرات. إلّا أنّ قيادة «اليونيفل» لا تدرك هذه المرّة كيف تفرض مجريات الأحداث اختلال المعادلات الدقيقة. وهي ترصد في الوقت ذاته، حذراً شديداً من الأطراف، على عدم وقوع سوء تفاهم، من جانب المقاومة ومن جانب العدوّ، مع جاهزية كل طرف للتصعيد تمسّكاً بميزان الردع.
ما ينطبق على المقاومة بالنسبة إلى اليونيفل، لا ينطبق على فصائل المقاومة الفلسطينية ومجموعات غير منظّمة من الفلسطينيين، إذ إن قيام الفلسطينيين بنشاط عسكري ضد العدوّ على غرار عمليّة سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في الضهيرة، أمر محتمل، وهو أكثر ما تخشاه، خصوصاً أن إبعاد الفلسطينيين عن الحدود أمرٌ شبه مستحيل.
لكن في حال وقعت الحرب، ماذا سيكون موقف القوات الدولية؟
لا تبدو أن خطط الإخلاء واردة، خصوصاً أن مهمة الأمم المتحدة بقيت في لبنان منذ بدء مهمتها رغم كل المعارك منذ عام 1978. ويعود استصدار قرار من هذا النّوع إلى نيويورك، وإلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي الذي يعاني انقساماً حاداً هذه الأيام. وطوال هذه الجولات، نادراً ما تعرّضت القوات الدولية لأي استهداف من قبل المقاومة اللبنانية. لكنّها كانت دائماً عرضةً للاستهداف من قبل العدوّ الإسرائيلي على مدى سنوات الصّراع، وأبرز هذه الاستهدافات المجزرة التي ارتكبها العدو في المقر الأممي في بلدة قانا الجنوبية في عدوان عام 1996. كما أن سلوك جيش الاحتلال مع انطلاق الدعم الأميركي السياسي والعسكري غير المحدود، باستخدام القوّة الهوجاء، ينبئ بحدوث خطر على جنود وعناصر اليونيفل، خصوصاً أن العدو لم يكن يرتدع عن تهديد اليونيفل خلال المرحلة الماضية، على غرار ما فعله مع السفينة الإندونيسية يومَي 6 و7 حزيران 2022، إذ حاصرت بحرية العدو سفينة إندونيسية تابعة للقوات الدولية، بواسطة ست طائرات حربية وبارجة ساعر 4.5 في اليوم الأول، ووجّهت نحوها إشعالات نارية انفجرت على مقربة منها وعرّضت جنودها للخطر، وشنّت عليها إطباقاً رادارياً من أسلحة الطائرات والبارجة الحربية. ثمّ كرّرت في اليوم التالي عمليّة الحصار والإطباق الراداري من طقم الأسلحة الجوية والبحرية ذاته، ما جعل السفينة هدفاً جاهزاً، بحيث كاد أيّ خطأ تقني يحوّل الحادثة إلى كارثة على اليونيفل والأمم المتحدة والجنود الإندونيسيين.