IMLebanon

تهديد أميركيّ بوقف تمويل اليونيفيل: ليست أهمّ من منظمة الصحة العالمية

 

 

ينتظر لبنان في آب المقبل استحقاق القرار 1701. ما سمعه أخيراً عبر الفرنسيين لا يطمئنه. ما يقتضي أن لا يطمئنه أيضاً أن الأميركيين يتعاملون مع البلد الموشك على الانهيار على أن في الإمكان معاقبته أكثر. أكثر مما يتوقّع ويحتمل

 

من غير المؤكد أن الموقف الذي أدلى به الرئيسان ميشال عون وحسان دياب، في اجتماعهما الأربعاء الفائت مع سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، سيكون كافياً ومقنعاً لواشنطن كي تقلل ضغوطها السياسية والاقتصادية على لبنان، وخصوصاً بإزاء ما ينتظر القرار 1701 في أواخر آب. لن يكون سهلاً عليها أيضاً إقناع الشركاء الآخرين في مجلس الأمن بتعديل مهمّات القوة الدولية في الجنوب، أو تقليل عديدها. تملك واشنطن الفيتو الذي تملكه الدول الأربع الأخرى، ما يُحدث تلقائياً توازناً سلبياً. مع ذلك لديها ما ليس لدى الدول تلك، هي الورقة القابضة على عنق الكوكب. بيد أن أحداً من دول السفراء الخمس، بما في ذلك التخويف الأميركي، ليس في وارد إنهاء انتداب هذه القوة وتجميد تطبيق القرار 1701 بالسهولة المتوخّاة.

 

ليس خافياً على المسؤولين اللبنانيين أن الموقف الأميركي الأخير – وقد تبلّغه لبنان من الفرنسيين في وقت مبكر – هو جزء لا يتجزأ من حزمة ضغوط تشكل سلسلة مكتملة الحلقات. بدأت بالعقوبات الأميركية على حزب الله لقطع تواصله مع إيران ونظام الرئيس بشار الأسد وتجفيف مصادر تمويله، وانتقلت إلى إخراجه من النظام المصرفي الدولي، وتواصلت وإن على نحو غير معلن تماماً بعد مع المهمة الحالية المنوطة بصندوق النقد الدولي لانتشال الاقتصاد اللبناني من القعر، وصولاً إلى «قانون قيصر»، فالقرار 1701 أخيراً من غير أن يكون آخر المحطات. رغم الحزمة الأميركية المتراصّة هذه، تعامل المسؤولون اللبنانيون معها بالمفرق. يفاوضون صندوق النقد كأن مهمته تقنية فحسب، مثلما حرصوا على التمييز بين النظام المصرفي اللبناني وبقائه داخل النظام المالي العالمي وبين حزب الله. كذلك هو الموقف من «قانون قيصر» الذي يتعمّد تشظية لبنان ما دام الأميركيون يقولون إن حزب الله هو الذي يدير البلاد ويوفر معبر الانتقال ما بينه وسوريا. أما القرار 1701، فلا تعدو الحجة الرسمية اللبنانية سوى ما درج المسؤولون عليها منذ مباشرة تطبيقه في آب 2006، أنه وفّر استقرار جنوب نهر الليطاني، وضمَنَ سلامة «الخط الأزرق»، وأرسى علاقات ودية بين القرى والبلدات والجنود الدوليين، وأبعد حزب الله عن خطوط التماس. لكنه لم يحل دون الاختراقات الإسرائيلية اليومية.

 

مع ذلك كله، بدا أخيراً أن واشنطن لا تريد أن تنظر إلى القرار 1701 كما لو أنه محطة دورية، يصير إلى التجديد دورياً للقوة الدولية، ولا تُعلَّق أهمية على تعديل مهماتها. ليست المرة الأولى يثار هذا التعديل منذ عام 2006، بيد أنه لم ينطوِ في المرات السابقة على حتمية تُذكر. توسُّع حزمة العقوبات الأميركية على حزب الله – المعنيّ في الأصل في ما تطلبه الآن في القرار 1701 – أعاد تذكيرها بالقرار 1559 الذي لم يعدُ منذ عام صدوره في أيلول 2004، سوى تقرير نصف سنوي بالكاد كان يُذكر في السنوات المنصرمة بعدما غادر الجيش السوري لبنان. صار أخيراً إلى تعويمه على أنه أحد بنود حزمة العقوبات الأميركية. كذلك الأمر بالنسبة إلى المطالبة بالسيطرة الكاملة على الحدود اللبنانية – السورية، وجعلها هي الأخرى تحت الانتداب الدولي. هذا البند في صلب ما يتحدّث عنه صندوق النقد الدولي كأحد الحلول الجدية الموثوق بها لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، كما لو أنه يمثّل مشكلة اقتصادية في ذاته، يحتاج إلى آلية تقنية تمنع التهرّب الضريبي والجمركي وتبادل التهريب بين البلدين بما في ذلك العملات الصعبة والوقود والحبوب.

قبل عشرة أيام تبلّغ رئيسا الجمهورية والحكومة من السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه مضمون ما تبلّغه من الخارجية الفرنسية، نقلاً عن الرسالة التي أبلغتها واشنطن إلى باريس، وهي أنها لن تتعامل مع التمديد للقوة الدولية في الجنوب في الانتداب الجديد، على نحو ما كان يحدث في السنوات المنصرمة.

في فحوى ما نقله فوشيه، شفوياً، إلى المسؤولين اللبنانيين:

1 – استمرار تطبيق القرار 1701 يكبّد الأمم المتحدة نحو 900 مليون دولار سنوياً، تغطي واشنطن من هذا المبلغ ما بين 25% إلى 30% منه. بحسب الأميركيين، فإن هذا المبلغ يجري إنفاقه بلا جدوى على مهمة لم تحرز أي تقدم في تنفيذ قرار مجلس الأمن. وهو بذلك يُهدَر بلا طائل سياسي أو أمني، ينسجم مع الأهداف التي توخّاها القرار.

2 – من غير المستبعد، في ضوء ذلك، أن تتوقف الولايات المتحدة عن تسديد حصتها في كلفة نشر الجنود الدوليين في جنوب لبنان، ولا يضيرها أن تتصرّف حيال الأمم المتحدة وهذه المهمة بالذات، على نحو ما فعلت مع منظمة الصحة العالمية بخروجها منها. في أي حال، مهمة القوة الدولية ليست أكثر أهمية من دور منظمة الصحة الدولية.

3 – لا يسع واشنطن الموافقة على تمديد دوري مقبل للقرار 1701، من دون آلية جديدة تحقق تطبيقه، وتأخذ في الاعتبار تعديل مهمات القوة الدولية. سوى ذلك ستكون خارج أي التزام مالي أو سياسي بإزائه. مغزى هذا التهديد، تعريض استمرار القوة الدولية، بفقدانها نحو ثلث موازنتها، إلى خفض عدد وحداتها المشاركة وانسحاب دول منها، وتالياً دفع جنوب لبنان و«الخط الأزرق» إلى دائرة فقدان السيطرة عليهما.

4 – لا يمكن لواشنطن الاستمرار في قرار لمجلس الأمن يمتنع لبنان عن تطبيقه على نحو كامل. لذا أمام مجلس الأمن في موعد تجديد انتداب القوة الدولية أحد خيارين: إما وضعه موضع التطبيق الفعلي على ما ينص عليه، أو إعادة النظر فيه.

في ضوء هذه الرسالة، كان اجتماع الأربعاء المنصرم في قصر بعبدا لعون ودياب مع سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فأعادت السفيرة الأميركية دوروثي شيا تأكيد المؤكد، وهو فحوى الرسالة التي نقلها الأميركيون إلى لبنان عبر الفرنسيين، من غير أن يكون بعد ثمّة تفسير لدى أحد عن توسّل هذه القناة من جهة، وإحجام واشنطن عن إبلاغ لبنان مباشرة موقفها الجديد المتصلّب من جهة أخرى.

واستناداً إلى بعض المعلومات، لم تُفصح السفيرة الأميركية في اجتماع قصر بعبدا عن موقف إدارتها، إلا بعدما تحقّقت من أن نظيرها الفرنسي أطلع رئيسَي الجمهورية والحكومة عليه. بيد أنها تفادت أن تأتي على ذكر ما لوّح به الأميركيون للفرنسيين، وهو احتمال وقف واشنطن تمويلها القرار 1701.