قد يعتبر القيّمون على الحكم تصرف السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه في مقابلته التلفزيونية ليل الإثنين على أن الحكومة اللبنانية فشلت في تحقيق ما هو مطلوب منها، تفصيلاً. كأنهم اعتادوا هذه التهمة.
الرهان الفرنسي على أن تتمكن هذه الحكومة من بعض الاستقلالية وأن تنجز شيئاً من الإصلاحات كان في الواقع رهاناً على أن يستطيع من تتشكل منهم أخذ مسافة ما عن القوى السياسية، التي تسببت بالأزمة التي يغرق فيها لبنان. هذا الرهان هو الآخر جاء مخيباً للآمال.
انتظار الإنجازات من الحكومة يتطلب أن تكون على مسافة من فريقين رئيسيين هما “التيار الوطني الحر” الذي ما زالت أولويته المناصفة في تعيين خفراء الجمارك ونواطير القرى، وموظفي الفئة الثالثة… قياساً إلى مقاييس الكفاءة. أما الفريق الثاني، “حزب الله” فأولويته محاربة طواحين المياه الأميركية في لبنان، بالنيابة عن إيران، في وقت تعجز الأخيرة عن مواجهة عقوبات واشنطن عليها ويئن شعبها باعتراف رئيسها حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف تحت ثقل هذه العقوبات. حكامها يأملون في دخول الدولار لوقف انهيار الريال الإيراني، ثم ترسل من يعظ اللبنانيين حول كيفية مواجهة الحصار الذي يتعرضون له بسبب وضع “الحزب” يده على قرار الحكومة.
لم يترك “التيار الحر” و”حزب الله”، في إدارتهما للحكومة ورقة مفيدة لفرنسا، لا في مجال الإصلاحات ولا في الميدان الجنوبي والأمني كي تتمكن من التفاوض مع واشنطن في شأن مطالبها تعديل مهمة “اليونيفيل”.
باتت حجة الأميركيين بمواجهة الفرنسيين أن الكتيبة الفرنسية الموجودة في الجنوب هي التي تُمنع من دخول قرى والتدقيق ولو مع الجيش، في أمكنة تحوم الشكوك حول احتوائها على ما يخالف قرار مجلس الأمن الرقم 1701.
لربما هذا كان سبباً رئيساً لدى باريس كي تُظهر هذا القدر من الخيبة حيال التركيبة الحاكمة في لبنان. لم يسلف النافذون في هذه الحكومة، (والمقصود هنا ليس وزراؤها أو رئيسها بل “التيار” و”الحزب”)، باريس ما يمكّنها من أن تخاطب الجانب الأميركي في نيويورك لدعوــته إلى تليين موقفه إزاء الشــروط التي يطرحها على دور “اليونيفيل”. سيكون على الجانب الفرنسي أن يعالج الأمر بوسائله بدلاً من أن يستند إلى موقف لبناني أكثر واقعية وأقل تشبثاً سواء بالانتماء الفئوي أو بالولاء الإقليمي، يأخذ في الاعتبار ما بلغه البلد من انهيار وتحلّل في مؤسساته وفي إدارة شؤونه من بعض التجريبيين.
قد تخوض باريس المعركة الديبلوماسية في نيويورك، من أجل الحفاظ على إنجاز إقليمي، رعته منذ العام 2006، وساندها فيه المجتمع الدولي هو تحويل المواجهة في جنوب لبنان إلى أكثر جبهة هادئة في المنطقة منذ 14 سنة حتى اليوم. إلا أن هناك من يعتقد من الديبلوماسيين في بيروت أن على اللبنانيين أن يغادروا ذلك الوهم الذي يركب رؤوس بعض مكونات الحكومة بأن المجتمع الدولي لن يترك لبنان ينهار. فهو في قلب الانهيار. وما يأمله بعض المسؤولين في محاولة طلب المساعدة من هذه الدولة أو تلك سيحول لبنان إلى دولة تسول للإعانات الإنسانية، نظراً إلى أن القيمين عليه لم يرتقوا لا سياسياً ولا اقتصادياً إلى مستوى إدارة الأزمة الاقتصادية والتعافي منها.