يدفع لبنان مجدداً ثمن الكباش الأميركي – الإيراني على أرضه، إذ إن طهران التي تسعى إلى فكّ الحصار عنها، لا تزال تستخدم لبنان كأرض معركة، ما يدفع واشنطن إلى التشدّد أكثر.
في كل مرّة، وعندما يقترب موعد التجديد لـ”اليونيفيل”، يعود الأميركي إلى المطالبة بتوسيع مهامها وإعطائها صلاحيات أوسع، لكنّ تدخّل بعض الدول وموازين القوى التي كانت قائمة كان يدفعه إلى التراجع والتجديد وفق القواعد التي رسمت في القرار 1701.
لكنّ المعلومات اليوم تؤكّد أن الأميركي جدّي في تهديداته في هذا الملف، وخصوصاً لناحية وقف تمويل “اليونيفيل” حيث تُعتبر واشنطن من أكبر المموّلين لهذه القوات، إذ يفوق المبلغ الذي تدفعه الـ400 مليون دولار أميركي، وبالتالي فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يراوغ في هذه الخطوة.
وتلفت مصادر ديبلوماسية النظر إلى أن سلوك ترامب مغاير تماماً لطريقة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وتهديده بوقف التمويل لا يأتي من الفراغ، والدليل أنه اتّخذ قراراً سابقاً بوقف تمويل “الأونروا” ونفّذه، كما أعلن وقف الدفع والمساهمة في منظمة الصحة العالمية وطبّقه.
وتتصرّف الحكومة اللبنانية وفق قاعدة أن الاميركي يرفع السقف قبل موعد التجديد، ومن ثمّ يسير وفق مقتضيات الداخل اللبناني، وهذا الإطمئنان الحكومي لا يستند حالياً إلى أي مؤشرات جدية سوى الرهان على النية الأوروبية بتفهّم وضع لبنان، وعلى رأس تلك الدول فرنسا وإيطاليا.
لكنّ ذلك كله لا يخفّف من الإندفاعة الأميركية تجاه وقف التمويل أو تعديل مهام “اليونيفيل”، وتُطرح أفكار في الأروقة الديبلوماسية لا تزال الحكومة اللبنانية ترفضها، وهي توسيع مهام “اليونيفيل” لتشمل ضبط الحدود الشرقية والشمالية لوقف التهريب ومنع الإنتقال المسلّح لـ”حزب الله” وفصل الساحة اللبنانية عن الساحة السورية وساحات الحرب في المنطقة.
وعلى رغم أن قسماً كبيراً من اللبنانيين يؤيد هذا الطرح لأنه يؤمّن شبكة أمان للبنان وينجّيه من جحيم الحروب وإدخاله في لعبة الحروب الكبرى، إلا أن “حزب الله” يرفضه بالمطلق ولا يقبل النقاش فيه لأنه يصون السيادة اللبنانية ويحدّ من تحركاته ويجعل الدولة اللبنانية تسيطر على حدودها، فيما مصلحته أن تبقى الحدود سائبة ولا يحدّ شيء من تنقلاته وتحركات إيران والنظام السوري تجاه لبنان.
وأمام كل هذه الوقائع، فإن توسيع مهام “اليونيفيل” شرقاً وشمالاً، أو إبقاءها كما هي مع توسيع صلاحياتها في منطقة جنوب الليطاني لن يمرّ، لأن الحكومة المؤيّدة لـ”حزب الله” ترفضه بالمطلق.
من هنا، فإن “الخارجية” اللبنانية لا تزال على تواصل مع الأميركيين والدول الغربية الكبرى من أجل الحفاظ على الستاتيكو القائم في الجنوب، والذي لا يزعج “حزب الله” ويسمح له بحرية الحركة، بينما يرسل “الحزب” رسائل متواصلة إلى “اليونيفيل” عندما تدعو الحاجة، وذلك بخلق إشكالات مع الأهالي، لكنّ كل تلك الإشكالات تبقى ضمن السقف المضبوط.
وشكّلت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مناسبة للحكم اللبناني لعرض أهمية التجديد لقوات الطوارئ الدولية لكن ضمن المهام المعروفة، ووعد لودريان خيراً، لكن القرار الأول والأخير يبقى عند الأميركيين وليس الأوروبيين الذين يعتبرون المساهم الأكبر من حيث العديد.
وإذا كانت واشنطن لا ترغب حالياً بتفجير الوضع اللبناني، إلا ان هذا لا يعني إستمرار تشددها في بعض الملفات، خصوصاً وأنها تعتبر “حزب الله” إمتداداً لإيران وليس حزباً لبنانياً مسلحاً، وهي تفعل كل ما بوسعها من أجل محاصرته، في حين يرى البعض الآخر أن وقف تمويل “اليونيفيل” والحدّ من حركتها مقدّمة لإضعافها، وبالتالي فهو مؤشر خطير على أن هناك حرباً جديدة قادمة لا يعلم أحد متى تطرق الأبواب.