Site icon IMLebanon

حادثة العاقبية تزيد الضغوط السياسية الخارجية على لبنان.. هل من مقاربات مختلفة بعد فشل هذه السياسات؟

 

 

زادت حادثة بلدة العاقبية التي ذهب ضحيتها جندي وثلاثة جرحي من الكتيبة الايرلندية ومواطنان لبنانيان، من حجم الضغوط السياسية الخارجية على لبنان، وصولاً الى إعادة طرح مسألة تفلّت السلاح وإستعادة الدولة لوجودها على الأرض بعد حالة التسيّب والفلتان والفوضى التي يعيشها لبنان، نتيجة غياب المؤسسات الرسمية عن معالجة أزمات المواطنين على كل المستويات والتي تتفاقم يوماً بعد يوم.

 

وهذه الضغوط طبيعية في هذا الظرف السياسي المعقّد، حيث المعركة على أشدّها بين محورين اقليميين – دوليين كبيرين منذ سنوات، ينعكس صراعهما على الأرض اللبنانية خلافات حول كل القضايا السياسية وغير السياسية، وصولاً الى تعثّر انتخاب رئيس للجمهورية نتيجة غياب التوافق الخارجي والداخلي، مروراً بالخلاف على ممارسة حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية، وبالتالي إصابة الحكومة «بشلل نصفي» قد يتفاقم الى شلل كامل في حال استمر الخلاف حول هذا الموضوع.

لن يخرج لبنان بسهولة من أزماته التي تتوالد كالفطر السام، طالما ان الضغوط الخارجية قائمة حول كل موضوع وقضية، وهي باتت برأي بعض القوى السياسية اللبنانية كوليد جنبلاط وغيره، «غير ذات جدوى» إذ انها لم تترك أي تأثير فعلي على القوى المستهدفة لتغيير أدائها وتوجهاتها وسياساتها، بل العكس أعطت مفعولها العكسي السلبي على عموم المواطنين لا على الشريحة السياسية والطائفية المستهدفة. فلا الضغط بالدولار ولا الحصار الكهربائي ولا الكلام الغربي القاسي بحق السياسيين أدّى الى تحقيق الإصلاحات البنيوية المطلوبة وتغيير الأداء، ولا العقوبات الخارجية على بعض الكيانات والأفراد أضعفت الجهات المستهدفة، بل زادت من التفاف جمهورها حولها.

لذلك بدأ الحديث عن ضرورة إيجاد مقاربات مختلفة تخفف من الضغوط الخارجية على الوضع الاقتصادي والمعيشي، لكن مع بقاء الضغوط السياسية الهادفة الى تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية، وبالمقابل يبدو ان تحالف بعض قوى السطة والسياسة مع قوى الاقتصاد النفعي الاحتكاري أقوى من كل الضغوط الخارجية، وهذا التحالف لا ينفذ سوى ما يلبّي مصالحه الكبرى، فلا استجابة لإقرار الإصلاحات المطلوبة والمُحقة، ولا بعض القوانين التي أُقرّت نُفّذت، وزاد من تفاقم الانهيار «اعتكاف» القضاء وخلافاته التي عطلت ميزان تحقيق العدالة. وفشل «قوى التغيير» في إحداث أي تغيير أو مجرد تأثير في هذه المنظومة، وفي الحد من الضغط الخارجي وتأثيراته السلبية على مجمل الوضع اللبناني.

صحيح ان انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بطاقم جديد وتركيبة جديدة متجانسة أكثر من الحالية والتي سبقتها، بات يُعتبر المدخل الأساسي لولوج الحل، لكن الصحيح أيضاً ان تضارب المصالح الخارجية والداخلية يُعيق التفاهم على انتخاب رئيس للبلاد، بسبب إدخال هذا الاستحقاق في متاهات الخلافات والانقسامات والمصالح الكبرى والصغرى، فجزء من أزمة الشغور الرئاسي يتحمّله الداخل وجزء آخر يتحمّله الخارج نتيجة فرض الشروط والمعايير والمواصفات غير المتوافرة في رجل واحد، ولو توافر معظمها فهو غير قادر على تحقيقها نتيجة تركيبة وطبيعة النظام السياسي اللبناني.

لعل فرنسا هي الوحيدة التي تتعامل بواقعية مع الوضع اللبناني، وتدرك ان ما يجري من ضغوط خارجية لن يُحقق نتيجة لحل الخلافات الداخلية، ولن يُسهّل انتخاب الرئيس، ولا تشكيل حكومة بسهولة في حال تم اختيار رئيس متوافق عليه، ولا إنجاز الإصلاحات، ولا معالجة الأزمة المعيشية الخانقة التي تحوّلت أزمة مجتمع متوتر متفلّت تسوده توترات أمنية يومية على الكبيرة والصغيرة، وتتحكم به عصابات تتوالد وتتكاثر بطريقة خطيرة برغم الجهد الأمني الكبير المبذول للتصدي لها. لكن ماذا تفعل العين أمام المخرز؟ فالمطلوب دعم خارجي حقيقي مشروط ومُرَاقَب من الدول بسبب الفساد المستشري، لا دعماً ترقيعياً ومحدوداً لقطاعات ومؤسسات معينة، ينتشل لبنان من أزماته المعيشية والاقتصادية لتخيف التوتر السائد.