ليس مؤكّداً حتى الآن إذا كان مشروع قرار التمديد لقوّات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان سيتمّ إدخال بعض التعديلات عليه، أم سيُقرّ وفق الصيغة التي وضعتها فرنسا كونها “حاملة القلم”، والتي وافق عليها لبنان ودول صديقة كثيرة مثل أوستراليا وكندا وإسبانيا ومصر وقطر والجزائر واليابان وسواها التي تدعم لبنان، وتُطالب بعدم التصعيد وتطبيق القرار 1701، وبإعادة الأمن والاستقرار الى الحدود الجنوبية، ووقف الأعمال العدائية بين حزب الله والعدو الاسرائيلي.
وتجري مناقشة مسودة قرار التمديد لليونيفيل حالياً في مجلس الأمن في نيويورك، على مستوى الخبراء بين بعثة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة، وبين ممثلي بقية البعثات الديبلوماسية التي يتمسّك بها لبنان وفرنسا، ويستمر خلال الأسبوع الجاري. في الوقت الذي تتحدّث فيه المعلومات عن أنّ أميركا و “إسرائيل” قد تطرحان تعديلاً ما يتعلّق بتقليص مدّة التمديد لليونيفيل. على أن يصدر قرار المشروع بصيغته النهائية أواخر هذا الشهر، ويتمّ عرضه على مجلس الأمن الدولي الخميس المقبل في 29 آب الجاري للتصويت عليه وإقراره، إمّا مع بعض التعديلات عليه، أو وفق ما كان عليه قرار التمديد في العام الماضي (وربما مع تعديل طفيف عليه لا يؤثّر في مضمونه).
أوساط ديبلوماسية عليمة أكّدت أنّ المناقشات بشأن التمديد لقوّات الطوارىء العاملة في جنوب لبنان لمدّة سنة إضافية تنتهي في 31 آب من العام المقبل 2025، تجري حالياً في مجلس الأمن الدولي على مستوى الخبراء وتستمر حتى أواخر الأسبوع الجاري. وتكتسي هذه المناقشات أهمية بالغة، سيما أنّ الدول المعنية والمشارِكة في هذه القوّات يهمّها من الصيغة النهائية للمشروع أن تحفظ سلامة جنودها، الذين سيُمارسون مهام “اليونيفيل” لعام إضافي، على ما يُفترض، عند حدود مشتعلة منذ أكثر من 10 أشهر بين حزب الله و “إسرائيل”. لهذا يجري التوقّف عند كلّ عبارة من مشروع التمديد قبل التوافق على الصيغة النهائية.
ولعلّ أكثر ما يُقلق لبنان في كلّ عام، رغم أنّ مثل هذا التمديد يجب أن يكون روتينياً الى حين إيجاد حلّ نهائي لمسألة وقف الأعمال العدائية بين حزب الله و “إسرائيل”، وتحويلها الى وقف إطلاق نار شامل بين الجانبين، هو ما تُحاول “إسرائيل” بمساندة أميركا تمريره في القرار بما يخدم مصالحها. والنغمة الأخيرة لها، بعد أن حاولت في السنتين الماضيتين إقرار مسألة توسيع مهام القوة الدولية، لتشمل الدخول الى أماكن ومواقع غير مدرجة ضمن نطاق عملها، بهدف القيام بالبحث والتقصّي عن أسلحة حزب الله التي لم تمرّ، فضلاً عن قيام اليونيفيل بدورياتها الاستطلاعية من دون التعاون والتنسيق مع الجانب اللبناني، الذي نصّ عليه القرار في العام ما قبل الماضي، غير أنّه لم يُنفّذ على أرض الواقع، هي نغمة “تقصير التمديد لليونيفيل لتُصبح 6 أشهر بدلاً من سنة كاملة”.
أمّا الأهداف “الإسرائيلية” وفق المعلومات، من هذا المطلب الأخير فهي كثيرة، أبرزها:
1- أن تتمكّن بعد انقضاء الستة أشهر أي في شباط المقبل، في حال مرّ مثل هذا المطلب، مع استبعاد وصوله الى التصويت عليه في مجلس الأمن، وانتخاب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأميركية، من إجراء تعديل جذري على مهام “اليونيفيل”. وتعوّل هنا على دعم الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما إذا فاز الرئيس السابق دونالد ترامب في الإنتخابات المرتقبة في تشرين الثاني المقبل، كونه يقف بشكل واضح الى جانب “إسرائيل”، ويُبدي جهوزيته لتحقيق كامل مطالبها في منطقة الشرق الأوسط، والعودة الى تحقيق “صفقة القرن” التي أطلقها خلال ولايته الرئاسية.
2- أن تتغيّر المعطيات في لبنان والمنطقة، من وجهة النظر “الإسرائيلية”، بعد وقف حرب غزّة وبدء المفاوضات على تثبيت الحدود البريّة مع لبنان، وتطبيق القرار 1701. الأمر الذي قد يتطلّب مغادرة القوّات الدولية المنطقة الحدودية، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة الجنوبية وعلى الحدود، وبالتالي نزع سلاح حزب الله. وهذا هو أقصى ما تطمح اليه “إسرائيل” لطمأنة المستوطنين في المستوطنات الشمالية، كما في الداخل.
3- إضعاف مهام “اليونيفيل” تدريجياً، أولاً من خلال تقصير مدّة التمديد للقوّات لستة أشهر بدلاً من سنة كاملة، وصولاً الى تقليص عدد الدول المشاركة فيها من 49 دولة الى أقلّ بكثير، ما يعني بالتالي تقليص عدد قوّات “اليونيفيل” فلا يعود ما بين 10 و15 ألف جندي، على ما ينصّ عليه القرار 1701. الأمر الذي من شأنه في المقابل، تعزيز قدرات الجيش اللبناني، من قبل بعض الدول الداعمة والمانحة لكي يتمكّن من استلام زمام الأمور بيده.
وأشارت الاوساط الديبلوماسية الى أنّ مناقشة مسودة مشروع التمديد كانت قد بدأت منذ يوم الإثنين في مجلس الأمن، دون التطرّق الى مضمونه، ومن دون أن يقترح أحد من ممثلي الدول الأعضاء أي تعديل على الصيغة الفرنسية. وقد أدلى الممثلون بمواقفهم من الوضع في جنوب لبنان، وتمحورت حول “ضرورة خفض التصعيد العسكري عند الحدود الجنوبية، واحترام الخط الأزرق والإلتزام بتنفيذ القرار 1701 كاملاً ووقف الأعمال العدائية بين الجانبين”. وترى الدول الموافِقة على التمديد لليونيفيل لمدّة سنة، على ما عقّبت الأوساط ذاتها، أنّ هذا القرار من شأنه وضع لبنان أمام فرصة إبعاد شبح الحرب عنه، وخفض منسوب التهديدات “الإسرائيلية” المستمرّة والآيلة الى التصاعد يوماً بعد يوم.