IMLebanon

ما الجدوى من التجديد لـ«اليونيفيل»؟

 

تُستعاد عند كل تجديد لقوات «اليونيفل» الاسطوانة نفسها: واشنطن تريد «التجديد لـ»اليونيفل» طبقاً لمصالح إسرائيل بوقف التنسيق مع الجيش»، ولبنان الرسمي «يطالب بالتنسيق الدائم مع الجيش لإنجاح مهمّة القوة الدولية وحفظ سلامتها»، وما بينهما فصل سادس وسابع.

يناقش مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة الخميس المقبل في 31 آب الجاري التجديد لقوّة الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان «اليونيفيل» بناءً على طلب الحكومة اللبنانية، وهذه ملهاة سنوية تفتح عشية التمديد تُضاف إلى الملهاة المستمرة بين إسرائيل و»حزب الله» وتهديداتهما المتبادلة بالإزالة والشطب والكبّ في البحر والإعادة إلى العصر الحجري، ولم تعد هذه التهديدات تلقى الآذان الصاغية من أحد في ظل اقتناع عارم ان لا تل أبيب ولا حارة حريك في وارد الحرب، وما يحصل لا يتجاوز حدود شدّ العصب من الجهتين على وقع حدود هادئة ومستقرة منذ العام 2006.

وما الفارق العملي والنوعي بين إعادة التأكيد على منح القوات الدولية «حرية الحركة لجنودها وآلياتها من دون مواكبة الجيش أو إذنه» على غرار ما حصل في العام الماضي، وبين شطب هذه الجملة والعودة الى ما قبل العام الماضي؟ فماذا يبدِّل هذا الأمر على أرض الواقع لجهة دور اليونيفل؟ لا شيء عمليا، إذا ان دورها بعد منحها حرية الحركة لم يختلف عن دورها قبل منحها هذه الحرية، اي شاهد زور وعدم تطبيق القرار 1701.
وما نفع التشدُّد في النصوص والتساهل على الأرض او بالأحرى عدم التقيُّد بهذه النصوص وتحديداً بمضمون القرار 1701 الذي ينص على منطقة عازلة «بين الخط الأزرق والليطاني خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة غير تلك التي تنشرها في المنطقة الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية؟ فالمجتمع الدولي الذي يناقش قرار التجديد لـ»اليونيفل» يعرف قبل غيره ان هذه الفقرة من القرار 1701 لا تطبّق، وان «حزب الله» موجود في هذه المنطقة تحت الأرض وفوقها بصيغة أهالي وغيرها، وبالتالي سياسة التعمية تُسيء إلى هذا المجتمع الذي يكرِّس الأمر الواقع ويتعامى عن الحقائق والوقائع.
وهل البند رقم (3) من القرار 1701 يطبّق لجهة «ضرورة أن تبسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كل الأراضي اللبنانية طبقاً لبنود القرارين 1559 و1680 ولبنود اتفاق الطائف ذات الصلة، لممارسة سيادتها بشكل كامل وبما يؤدي إلى عدم وجود أي سلاح بدون موافقة الحكومة اللبنانية وعدم وجود أي سلطة غير تلك التي تمارسها الحكومة اللبنانية؟

ولن نطيل الاستشهادات التي تؤكِّد ان القرارات الدولية لا تطبّق شأنها شأن اتفاق الطائف، ولكن إذا كان المجتمع الدولي غير قادر على تطبيق قراراته فما عليه بالمقابل ان يخدم الجهة التي تمنع تنفيذ هذه القرارات، فضلاً عن ان السيناريوهات عن نصوص وكواليس وتشدُّد تعطي إشارات خاطئة للبنانيين بأنّ عواصم القرار تريد الوقوف إلى جانبهم وجانب بلدهم، الأمر غير الصحيح على الإطلاق.
وما حصل على أثر مقتل الجندي الإيرلندي في كانون الأول الماضي فضيحة كبرى، حيث لُفلفت القضية من «اليونيفل» قبل الدولة اللبنانية، وشكلت العملية ضد الوحدة الإيرلندية رسالة واضحة بأن على هذه القوات ان تلتزم حدودها وإلا مصيرها سيكون مشابهاً لمصير الوحدة الإيرلندية، والرسالة وصلت والقوات الدولية عملت بموجبها.
ومن الواضح ان المجتمع الدولي عاجز عن تنفيذ القرار 1559، وهذا القرار يرتكز على وثيقة الوفاق الوطني التي لم تطبّق، ولو طُبقّت لما صدر، وطالما انه عاجز فلماذا يصرّ على الإيحاء بأنه يريد إدخال نصوص إلى متن القرار 1701 ولا تضيف شيئاً على ميزان القوى على الأرض، ولا تبدِّل في مهمة القوات الدولية التي تحولّت إلى شكلية وصورية؟
ومن الأجدى لمجلس الأمن والأشرف له ان يسحب القوات الدولية من جنوب لبنان التي تحول دورها إلى حَكَم من دون صفارة ويقتصر دور هذا الحَكَم على بيانات إنشائية لضبط النفس وتعداد التجاوزات من الطرفين، فما قيمة حكم لا يستطيع ان يرفع البطاقة الحمراء للاعب ولا ان يضبط المباراة بين فريقين؟

فالمستفيد من «اليونيفل» هو «حزب الله» وليس لبنان ولا الشعب اللبناني، وأصبحت «اليونيفل» تشكل غطاء دولياً له على غرار الغطاء الرسمي المحلي الذي يقاتل من أجل الحفاظ عليه بدءا من رئاسة الجمهورية مرورا بالحكومة وبياناتها الوزارية، وإذا كان الواقع في لبنان يستدعي التعايش بين منطقي الدولة والدويلة، فلماذا يجد المجتمع الدولي نفسه مضطرا إلى التعايش مع الدويلة، فيما بإمكانه بكل بساطة أن لا يجدِّد للقوات الدولية؟
ومعلوم ان لا «حزب الله» يريد الحرب التي يخشاها خلافاً لكل خطاباته ومواقفه، كما ان إسرائيل لا تريد بدورها الحرب خلافا لمواقفها «العنترية»، وخروج القوات الدولية لا يثير النقزة لدى اللبنانيين إذا كان المجتمع الدولي يحرص على الاستقرار النفسي للبنانيين. وبالتالي، عليه ان يطمئن من هذه الناحية ويسحب هذه القوات من لبنان.
أمّا المبالغ التي تنفق سنويا من أجل التجديد للقوات الدولية ومقدارها 600 مليون دولار فإنّ الشعب اللبناني هو الأحق بها في ظل الانهيار غير المسبوق الذي تسبّبت به منظومة السلاح والفساد للبنان، خصوصا انها تنفق على قوات لا تقوم بعملها طبقاً للقرار 1701 وكأنها رشوة او نقاهة وسياحة لهذه القوات، وهذا عدا عن استفادة الدولة العميقة لـ»حزب الله» من المصاريف الاستهلاكية لـ»اليونيفل».
فما يحصل في أروقة الأمم المتحدة من نقاشات عن تعديلات ونصوص لا تهمّ الشعب اللبناني ولا تفيده ولا تفيد لبنان بشيء، وهي مجرّد مسرحية كمسرحية المواجهة بين «حزب الله» وإسرائيل، ومن المؤسف ان يتحوّل المجتمع الدولي إلى غطاء للحزب على غرار فرنسا التي كل همها إرضاء «الممانعة» بدءاً من «اليونيفل» حرصاً على سلامة جنودها، وصولاً إلى تزكية مرشّح «الممانعة» حرصاً على مصالحها.

وأفضل قرار يمكن ان يتخِّذه مجلس الأمن هو رفض التجديد لـ»اليونيفل» إذا كان المجتمع الدولي يهتم بمصلحة لبنان واللبنانيين، وخلاف ذلك يواصل خدمة الممانعة ومشروعها، ويخطئ في حال اعتبر انه بتشدُّده وشدّ الحبال الحاصل يستطيع ان يوهم اللبنانيين بأنه حريص على مصلحتهم ويقوم بتنفيذ القرار 1701، فإما انه قادر على الالتزام بالنص الحرفي للقرار، وإما ان يعلن انسحاب القوات الدولية بسبب عجزه عن تنفيذ القرار، ولكن استمرار الأمور على النحو القائم يشكِّل خدمة للممانعة في العمق والجوهر وبَلف للبنانيين، وحان الوقت لإنهاء قصة إبريق الزيت المُسماة التجديد لـ«اليونيفل» سنوياً، فلا جدوى إطلاقا من هذا التجديد، بل المصلحة اللبنانية العامة تكمن في إنهاء مهمة هذه القوات.