في خضم الأزمات وأتونها تظهر معادن الرجال والشعوب والأمم، ولبنان يمرّ اليوم بأزمة من أخطر أزماته، وتمرّ الطائفة السُنّية بمرحلة دقيقة وربما مفصليّة.
ويكمُن سرّ نجاح أي خطوة لتجاوز الأزمات وحلّ المُعضلات، في اللجوء إلى الإتزان والتعقل، والوعي والتبصّر، والإبتعاد عن الهياج والتهوّر، واعتماد الأولويات والمراحل.
ورغم صعوبة التوصيف الشامل للأزمة الحاليّة والإحاطة بكامل المُلابسات والخلفيّات والتفاصيل، إلا أنّه يُمكن التطرّق إلى النقاط التالية:
– لم يعد التهجّم على المملكة العربية السعودية مُقتصراً على المواقف والكلمات والإدانة، بل تخطّاه إلى الرسائل المُترجمة بالهجوم الصاروخي … فاستُهدفت مناطق المملكة الحدودية في السابق، ولاحقاً استُهدفت العاصمة، وغداً قد تُستهدف مكّة المُكرمة، كما أنّ المملكة تمرّ بفترة تغيّرات جذريّة وتحدّيات داخلية وخليجيّة وإقليميّة، ومن هنا جاء تصلّب مواقف المملكة والتصعيد بما هو غير مألوف أو مُتوقع.
– الموقف السياسي للمملكة، هو موقف تراكمي مُزمن، وهو مُوجّه إلى لبنان الرسمي والحكومة اللبنانية ككل، وليس مُوجّهاً نحو الطائفة السُنّية أو «تيار المستقبل» أو شخص الرئيس سعد الحريري تحديداً.
– بغض النظر عن شكليات استقالة الرئيس سعد الحريري وإشكالياتها، فإنّ حيثياتها صحيحة وحقيقيّة لجهة مُعاناته المُزمنة من المُناكفات وصولاً إلى فرض الشروط ووضع العراقيل بما يتنافى مع أُسُس التسوية المُبرمة ونظريّة «فكّ الإرتباط»، وما بينها.
– مع التفهّم لمشاعر أنصار الخطّ الوطني والعروبي، وأهل السُنّة، لا يجوز تحويل وجهة العداء باتجاه المملكة العربية السعودية، بدلاً من التركيز على التصدّي للقوى المُناكفة المُهيمنة المُسيطرة على زمام الأمور والدولة ومسار الوطن.
– عودة الرئيس الحريري إلى عائلته ومُحبّيه أمر طبيعي، لكن البعض يُضمر في مطلبه غاية خبيثة لتجييش مُناصريه وضمّهم إلى جبهة التحريض والهجمة على المملكة.
– أهل السُنّة كانوا ولا يزالون الأكثر حُرصاً على لبنان، ولا يقبلون بالفراغ السياسي الناتج عن شغور منصب رئاسة الحكومة، لكن في الوقت ذاته فإن ذاكرتهم غير مُغيّبة أو ضبابيّة، ويذكرون جيداً من عطّل الحياة السياسية لمدة سنة لفرض وزير، ويذكرون جيداً من تسبّب بالفراغ الرئاسي لمدّة سنوات لفرض رئيس للجمهورية.
– علاقة العروبيين وأهل السُنّة بالمملكة علاقة خاصة وجذورها ضاربة في التاريخ، وشأن العتاب واللوم والخلاف والإختلاف والمُصارحة بينهما أمر داخلي، لذا علينا أن لا نترك للآخرين الفرصة للإستغلال، وألا نكشف غطاءنا بأيدينا، ولا ننبُذ سندنا الدائم والوحيد المُتاح، فنصبح بلا أي غطاء، ونقبع في العراء في خضمّ أنواء الصراعات اللبنانية والإقليمية العاتية.
– أي تدهور وتردٍّ في العلاقة مع المملكة سيتبعه حُكماً وضع مُماثل مع دول خليجية أخرى، وأول المُتضررين سيكون العروبيون وأهل السُنّة، يليهم الإقتصاد اللبناني برمّته، ويلحق بذلك مئات الألوف من العاملين في المملكة على الخصوص والخليج بشكل عام، وسيجُرّ ذلك المزيد من التبعات والخسائر والمُعضلات.
– لبنان بأسره معنيّ بقضية الرئيس سعد الحريري، وكل فرد منّا سواء كان مناصراً أو خصماً للرئيس الحريري معنيُّ أيضاً، لما يُمثله موقعه كرئيس لمجلس الوزراء وكأبرز زعيم للسُنّة، لكن يُستحسن أنْ ندع للمعنيين مُباشرة وهم عائلة الحريري و»تيارالمستقبل» ودار الفتوى، الدور الأكبر والأول في متابعة هذه القضية، وليكن دور المُحبّين للرئيس الحريري وكذلك الغيورين على مصلحة لبنان والطائفة، دور الواعي المُتفهّم المُساند وإطفائي الحرائق والناصح الصدوق.
– ليس الوقت للتشفّي والشماتة وتصفية الحسابات وإظهار صحّة المواقف من عدمها، إنما هذا وقت كظم الغيظ والتصدّي للشائعات والدسائس والتفرقة والشقاق بين أبناء الطائفة، والتصدي لحملات التحريض على المملكة.
كلمة أخيرة .. هذا ليس على الإطلاق دفاعاً أو تبريراً أو تنزيهاً أو تبرئة لموقف المملكة أو تأييداً له، لكنها دعوة كي نكون جميعنا في هذه الأزمة الخطيرة يداً واحدة وموقفاً واحداً، فلا نُربك أو نُخرّب عمداً أو عن غير قصد، مساعي مَنْ يعمل بهدوء وصمت على إيصال السفينة إلى برّ الأمان.
ما حصل يتخطّى المألوف .. ويحتاج إلى حلّ مُبتكر وغير مألوف!