لم يمر يوم منذ إلقاء الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله خطابه في 30 كانون الثاني المنصرم غداة الرد العسكري الذي قام به الحزب ضد دورية عسكرية اسرائيلية في مزارع شبعا رداً على استهداف اسرائيلي لموكب من عناصر الحزب والحرس الثوري الايراني في القنيطرة، معلناً اسقاط “قواعد الاشتباك” مع اسرائيل، ولم يبادر فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى نفي ان يكون نصرالله رمى الى تجاوز القرار 1701. فتلاحقت مواقفه اليومية المعلنة بين ان السيد نصرالله لم يذكر خرق القرار 1701 او ان المنتقدين والمتخوفين لم يقرأوا الخطاب جيداً ثم ان المتحاورين من تيار المستقبل والحزب برعايته قد اكدوا التزامهم القرار 1701 مئة في المئة كما نقل عنه (لم يعرف أحد قدرة تيار المستقبل على عدم التزام القرار أو تجاوزه!). فيما نقل عن نواب الحزب الذين يشكلون الطرف الآخر في الحوار مع المستقبل ان الحزب مشارك في الحكومة التي تحترم القرار 1701. وبرز على نحو واضح نتيجة هذه التوضيحات مدى الاحراج الذي واجهه رئيس المجلس الذي اضطر على الأثر الى توضيح مواقف الحزب انطلاقاً من موقعه كرئيس للمؤسسة التشريعية ومرجعية تمثل المؤسسات ويعود اليه رؤساء البعثات الديبلوماسية الخارجية خصوصاً ممن لا تفتح حواراً مع الحزب من أجل استيضاح ما الذي قصده نصرالله والى أين ينوي أن يأخذ لبنان عبر هذا الموقف في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة وكذلك من أجل محاولة حماية الوضع الداخلي الذي بدا معرضاً لانتكاسة كبيرة مجدداً بناء على هذه المواقف.
تقول مصادر سياسية ان الأمين العام للحزب الذي أعلن موقفه معطوفاً على اعتباره “ان الموضوع انتهى وتمت الاجابة عنه” نسبة الى رد الحزب على عملية القنيطرة فتح في المقابل باباً على أزمة داخلية كبيرة في حواره مع تيار المستقبل من جهة وعلى الحكومة التي لا تستطيع ان تتحمل تجاوزاً جديداً للقرار 1701 على غرار خرق الحزب التوافق على النأي بالنفس ونقض موافقته على اعلان بعبدا من جهة أخرى، فيما الحكومة مهتزة في الأساس ومتماسكة بالحد الأدنى ما قد يفضي الى وضع سياسي داخلي اكثر صعوبة لا يستطيع الحزب تحمل انهياره في هذه المرحلة. وهذه الازمة التي يمكن ان تنتج عن تهديده بعدم التزام قواعد الاشتباك مع اسرائيل ما يهدد القرار 1701 يمكن أن توظفها اسرائيل لمصلحتها متى فجر صراعه معها أزمة سياسية لبنانية. وقد واكبت جهود بري في هذا الاطار تفسيرات قدمتها محطة “المنار” التابعة للحزب حول ما عناه الامين العام وما قصده بقواعد الاشتباك الجديدة. فركزت على ما جاء في الخطاب من دون اجتهاد او تفسير وقالت: “انه بعد انتهاء الحرب الاسرائيلية على لبنان في 2006، صدر القرار الدولي 1701 من أجل انهاء الاعتداءات والانتهاكات وكل العمليات العسكرية… ومنذ ذلك الوقت تجاوز العدو الاسرائيلي قواعد الاشتباك التي نص عليها القرار 1701 مئات المرات منتهكا اجواء لبنان والمياه الاقليمية اللبنانية… ورداً على ذلك فان المقاومة كمنت لوحدة اسرائيلية انتهكت الحدود اللبنانية في اللبونة فارضة على العدو الصهيوني قواعد اشتباك مختلفة بعيدا مما تضمنه القرار 1701. قواعد الاشتباك هذه تفيد ضمناً بأن متى انتهك جيش الاحتلال الاسرائيلي السيادة اللبنانية فان للحزب الحق في الرد في المقابل… وبعد عملية القنيطرة أكد الامين العام للحزب عدم التقيد بقواعد الاشتباك ما يعني انه في مقابل أي تجاوز اسرائيلي سيكون هناك رد أكبر”. وهو تفسير معاكس للتطمينات المعلنة إذ يقول أو يقر بتجاوز القرار 1701 والنية في المتابعة وفق النهج نفسه، أم أن هذا التفسير ينبغي ان يكون مطمئناً في حدّ ذاته ولا يثير القلق من امكان استدراج اسرائيلي الى رد تؤذي فيه لبنان الى حد كبير.
يبدو واضحاً بالنسبة الى مصادر سياسية متابعة ان قطوعاً سياسياً تمّ تجاوزه في الأيام الأخيرة بناء على التحدي الذي أثارته هذه المواقف وتأثيرها على استكمال الحوار. كما بدا واضحاً ان هذه التفسيرات والحجم الذي أخذته كانت للرد على ضغوط كبيرة داخلية وخارجية استدرجها الحزب في ظل مخاوف على استقرار لبنان فيما ان مصلحته راهنا تقضي بعدم اطاحة هذا الاستقرار. ومع ذلك يخشى على نطاق واسع ان هذه التوضيحات والتطمينات لن تكون فاعلة إلا بمقدار ما تستجيب لمصلحة الحزب وفق ما تجمع على ذلك المصادر السياسية بما فيها قوى في 8 آذار، اذ ان التطمينات هي موضعية او مرحلية إذا صح التعبير وفقا لاعتبارات ضاغطة تلزم احترام القرار 1701 في عناوينه في عز انخراط الحزب على جبهات أخرى في داخل سوريا والعراق. لكن ما أعلنه الأمين العام للحزب من ربط بين لبنان والوضع السوري والايراني معتبراً ان الجبهات صارت واحدة واعلان الارتباط على نحو واضح بمشروع أوسع لا يجعل الافرقاء السياسيين الآخرين يركنون لما تقدم بل يجعل القلق اكبر من اقحام لبنان، كما اقحم في الحرب السورية عبر انخراط الحزب كلياً هناك في ما يمكن ان يعرضه لمخاطر كبيرة بحيث يجعل لبنان رهنا لطموحات ايران وفق ما عبر عن ذلك المسؤولون الايرانيون مراراً وتكراراً. فهذه النقاط تتجاوز قدرة الرئيس بري على احتواء الضرر الحاصل منها.