IMLebanon

وحدة الصّف الوطني فوق كل اعتبار

ما من شك في أن مفاجأة الرئيس الحريري بطرحه إسم الوزير سليمان فرنجية للرئاسة والتي قابلتها بعد فترة مفاجأة رئيس حزب القوات اللبنانية بترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، قد شكل كل منهما حدثاً شديد النبرة والأثر، وأحدث من الإهتزازات في الوضع السياسي العام، جملة من التحولات الرئيسية لن تفلح كل عمليات التلطيف والخفيف في إزالة آثارها المستجدة.

ولئن كان لكل من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، مبرراته وتفسيراته التي أعلن عن بعضها وما زال بعضها الآخر طي التورية والكتمان، ولئن كانت تلك المبررات لم تلغِ حتى الآن أي أثر من آثار ما خلفته من شروخ وصدوع عمودية في الجسم الوطني العام، ولئن كنا خارج نطاق إعطاء الأحكام على نتائج ما جرى وما كان، فإننا سنكتفي هنا بملاحظات أساسية، تحاول أن تضع الأمور في نصابها الواقعي، ومحلها من الإعراب، في هذه المرحلة شديدة الإهتزاز والإبتزاز والتي تزداد أجواؤها تعقيداً واكفهراراً، وقد وصلت الأحاديث بصددها إلى حدود توقّع تحوّل الحرب الروسية والإيرانية من نطاقها الذي ما زال إلى حدّ ما، يتم ضمن إطار سوري داخلي يتغطّى بنظام بائد يتزعم عمليات القتل والإبادة الجماعية بحق شعبه، إلى حرب إقليمية بدأت فيها طبول إسلامية – عربية تقرع حاليا من بعيد، وسط تهديدات متبادلة يسمع فيها الصدى العربي ( الخليجي خاصة ) والصدى التركي الذي تدفع به الأحداث بشدة باتجاه الإنخراط في احتراب محتمل مقبل، تصبح فيه الساحة السورية جحيما حقيقيا تتقاذف إليه وعليه، نيران العالم بأسره بما يمكن أن يعطي صورة ما عن «حرب عالمية» مصغرة، حديثة الطابع والأسلوب، وبعيدة كل البعد عن أي نوع من أنواع العدالة الدولية وأي نوع من أنواع الحماية التي يمكن أن يؤمنها ذلك المجتمع الدولي في طبعته التي يترأسها في هذه الأيام الملتهبة الرئيس الاميركي أوباما ووزير خارجيته كيري، وكل ما وجده هذا الطاقم الأميركي الحاكم والحالم، من تبريرات لهربه وغفلته وفشله، إلصاق السبب بالمعارضة السورية التي رفضت التفاوض مع النظام ولواحقه تحت وقع الصواريخ والبراميل والقصف الروسي والتهجير الجماعي لبقية الشعب السوري المنتمي إلى فئات مذهبية معينة ومحددة الإنتماءات.

ضمن هذا الوضع الخطير والمتردي، طلعت علينا جميعا مستجدات الرئاسة اللبنانية وترشيحاتها مع ملاحظة لوضعين متناقضين:

وضع ناشىء عن موقف الشيخ سعد الحريري ودعوته لترشيح الوزير فرنجية. مع كل ما يمكن أن يؤخذ على هذا الطرح المفاجئ، فهو قد جاء من منطلق وطني شامل هو نفسه الذي بنت عليه الرابع عشر من آذار أسسها ونهجها، وشعاراتها التي بقيت هي هي تنادي بأن يكون لبنان أولا بكل جهاته وفئاته وطوائفه ومذاهبه، وبألاّ تحمل أي جهة أو فئة منتمية إليه لواء الأولوية الطائفية والمذهبية، وبأن تكون 14 آذار تياراً وطنياً جامعاً لكل اللبنانيين بشعاراته ومواقفه الوطنية الخالصة، وبألا يشذ هذا المنهج التوحيدي عن صراته المستقيم الذي استمر سائداً على الساحة اللبنانية ما يزيد على العشرة أعوام، حتى إذا ما اهتزّت بعض أعمدته، فهي قد بقيت ثابتة على معالمها وتوجهاتها الوطنية الأساسية. دعوة الرئيس الحريري، سواء أخطأت أم أصابت ، بقيت على برّ الأمان الوطني، ولم تتجاوز درجة الخطأ إلى درجة الخطيئة، كتلك التي واجهت بها القوات الجميع موقفا تفصيليا لم يرق لها فقفزت من موقع إلى موقع ومن توجه وطني لبناني العروق والشرايين، إلى موقف يكاد أن يكون متناقضا مع تاريخ وطني حديث للقوات، تمكنت فيه من خلال مواقعها ومواقفها الوطنية من الحيازة على تأييد جموع إسلامية واسعة الأطر والأفق، ولم يكن ليخطر على بال أحد أنها ستكون يوما ما مؤيدة للقوات اللبنانية في مواقفها وتوجهاتها، التي توافقت وتطابقت مع التوجهات الإسلامية، ومع ذلك، ورغم كثير من الخلافات والتناقضات التي تلازمت من حين إلى آخر مع كثير من تفاصيل مسيرة 14 آذار، رغم ذلك كله وحتى إشعار قريب سبق ترشيحات الرئاسة المتناقضة والمتناهضة، كان اللبنانيون بغالبيات مهمة، مرتاحين إلى كثير من جوانب الوضع الوطني العام، ولم يكن يخطر ببال الكثيرين منهم أنه سيتم فيما بين عناصر 14 آذار الرئيسية، تبادل إطلاق المدفعية الثقيلة على النحو الذي كان.

بعد انقشاع غبار هذا القصف المدفعي المؤسف، يتساءل كثيرون: ما هي النتائج التي أسفر عنها تضاؤل كميات الغبار والضباب وتكشّف الأوضاع الحقيقية: كل فريق ذكر في حيثياته أن المقصود هو تحويل المعركة الرئاسية المتوقفة عند راية الفراغ واستمراريتها بشكل مؤذ ومخيف، وكلٌ ذكّر بأنّه بذلك، يساهم في تحريك البحيرة المتجمدة وبث روح الحياة والتقدم فيها : الحصيلة الحقيقية مؤسفة: عودة بقضية الفراغ الرئاسي إلى الوراء، لا جديد سوى استفحال الأحداث والنتائج، لا جديد إلاّ استمرار الفراغ وتضاعف الأضرار والأخطار. لا جديد إلاّ تقديم جديد من التنازلات التي وضعها الفريق الآخر في قجّة وأطبق عليها كجزء مضاف إلى «انتصاراته «ونقاط إضافية يضمها إلى ما بات لديه من نقاط. الجديد الجديد… في نظر الكثيرين، هو خروج القوات اللبنانية من تشبثها بوحدة الصف الوطني، أقله في الإطارات الوطنية العريضة، وقفزها بصورة عصبية وردة فعل غير مدروسة إلى موقع يرفع الشعار الطائفي قبل أي شعار آخر يعيد إلى الاذهان شعاراً سابقاً للقوات: وحدة الصف المسيحي فوق كل اعتبار. وكنا قد اعتدنا على مدى سنوات طويلة شعارات تنطق بها الأفواه والقناعات القواتية: وحدة الصف الوطني فوق كل اعتبار.

وماذا بعد: المطلوب عودة عقلانية من جميع قوى 14 آذار إلى مواقفها الوطنية الأساسية. 14 آذار تيار نشأ بقوة واندفاع بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ممنوع على الجميع إلحاق الأذى بمسيرة هذا التيار الأساسية، خاصة في هذه الظروف الإقليمية الملتهبة. الشذوذ عن الخط الأساسي يعني تعريض لبنان ووجوده واستمراره للخطر الشديد، والجميع اليوم أمام مسؤولياتهم الوطنية الخالصة، وأمام المقولة المدوّية: يكون لبنان أو لا يكون: تلك هي المسألة التي تحتاج إلى الإجابات والمواقف الوطنية الشافية والوافية.