خسر اللبنانيون، «لبننة» الانتخابات الرئاسية. لن ينتخب اللبنانيون رئيس الجمهورية سواء رضوا به أم عادوه. «الرموت كونترول» الخارجي هو الذي سيقرّر. اللبنانيون عبر نوابهم، سيقترعون ومن ثمَّ سيهلّلون، لخروج لبنان من حالة الفراغ الذي يضعه على حافة الموت المعلن. من حظ اللبنانيين أن الدول الكبرى قبل الإقليمية منها متفقة بالحفاظ على لبنان كياناً قائماً مع بقاء سلامه الأهلي بارداً لا يشتعل.
هذا القرار يناسب إيران، لأنها ترغب وتعمل لإبقائه في الثلاجة، الى حين يقع القرار حول مستقبل «حزب الله»، في زمن المصالحة والتعاون مع «الشيطان الأكبر»، وربما أبعد من ذلك، على قاعدة تقديم الضمانات الأمنية لإسرائيل على الأقل لفترة سنوات عشر مقبلة هي الفترة المنصوص عنها في اتفاق فيينا النووي المقيدة للنشاط النووي.
المأساة في خسارة اللبنانيين «لبننة» الاستحقاق الرئاسي مزدوجة. الأولى وطنية. بعد 14 آذار كان يجب أن يمتلك اللبنانيون مصيرهم بيدهم، وهذا لم يحصل. خسروه بالتدريج ومن فشل الى فشل، ساهم فيه عن سابق تصور وتصميم تحالف الممانعة و8 آذار. الثانية أن إمساك القوى الخارجية من دولية وإقليمية بهذا الاستحقاق، يعني إدخاله في «سلة» مليئة بالملفات المعقدة والمشتعلة من حلب الى عدن فأوكرانيا ومن ثمَّ الصراع والتنافس على أنابيب النفط وممراتها.
أخطر ما يمكن أن يصاب به لبنان، أن تطول حالة الفراغ الرئاسي فيه، أكثر مما طالت. في أساس هذا الخطر الحقيقي، عودة صيغة وحدة المسار والمصير بين لبنان وسوريا. يجري التداول حالياً، بأن حسم ملف الرئاسة يعني عملياً، تحديد موقع حزب الله في السلطة، بما يثبت حضوره ويضمنه. باختصار شديد أن معرفة مستقبل سوريا ومصير الأسد سيبقيان مصير الانتخابات الرئاسية معلّقاً. هوية الرئيس الجديد ستكون مختلفة جداً في حال استُبعد الأسد نهائياً. هذه الوحدة في المسار والمصير، يجب ألا تكون قدراً لا يمكن إلا الاستسلام له. عملية الانقاذ ورسم قدر جديد ممكنة، إذا وجهت كل الجهود لإقناع القوى المعنية وهي بالتأكيد: واشنطن وموسكو وطهران والرياض، للعمل على فصل المسارين اللبناني والسوري. والاسراع في انتخاب الرئيس الجديد بعد تقديم كل الأطراف التنازلات المتبادلة والمتوازنة والمتعادلة.
في قلب هذه المشكلة التي تهدد لبنان «بالسباحة» القاتلة في الفراغ، تحالف حزب الله مع الجنرال ميشال عون. وإذا كان الحزب قد جمّد قراره على معرفة مستقبله المعلّق على وقع التفاهمات الإيرانية الأميركية والإيرانية السعودية، فإن الجنرال عون قد علّق قراره ظاهراً على تحصيل حقوق المسيحيين، وباطناً على أن يكون هو الرئيس المنتخب أو لا أحد. المسيحيون «عمود» و»ملح» لبنان. يجب أن يحافظ على وجودهم وموقعهم في مرحلة «داعش» السوداء أكثر من أي وقت مضى. لكن المبالغة في الاستضعاف قاتلة. عندما يقول عون زيادة حقوق المسيحيين يكون، السؤال الطبيعي لدى المسيحيين الموارنة اليوم أبرز المواقع في السلطة وهي: رئيس الجمهورية، قائد الجيش. مدير المخابرات. حاكم البنك المركزي. رئيس مجلس القضاء الأعلى. رئيس مجلس الشورى. رئيس مجلس إدارة الجمارك. فماذا بعد؟ وماذا يفعل المسيحيون إذا وصل الأمر الى تعديل الطائف، إن لم يكن إنشاء مجلس تأسيسي جديد، يفرض المثالثة والمداورة في الرئاسات الثلاث وإعادة توزيع المراكز العليا بالتساوي على الطوائف. ماذا يبقى للموارنة في هذه الحالة من هذه المواقع السبعة؟
طبعاً مسؤولية 14 آذار كبيرة، لكن يكفي انها لم ترهن وجود لبنان الوطن، بمرشح رئاسي يكون هو أو لا أحد.
حان الوقت للمراجعة وبسرعة، حتى لا يصبح الحل خاضعاً لوحدة المسار والمصير مع سوريا التي وان كثرت المبادرات حولها، فإن الحل لن يكون هذا العام، وحكماً الى ما بعد تسلم الرئيس الأميركي المنتخب السلطة أي في 20 كانون الثاني 2017 إذ من المتعارف عليه أن لا أحد يوقّع على اتفاق مع رئيس أميركي أصبح «البطة العرجاء» لأنه يستعد لمغادرة البيت الأبيض. ينتظر الجميع الرئيس المنتخب الذي أمامه أربع سنوات في البيت الأبيض.
إخراج لبنان من حالة الفراغ ممكنة. زيارة جواد ظريف وزير خارجية ايران الى لبنان، قد تفتح ثغرة في الجدار يتسلل منها لبنان. المهم كيفية التعامل والتخاطب مع الوزير الإيراني على طريق الحوار الشامل والحل.