IMLebanon

إنهيار الستاتيكو: رهانات الوراثة والإنقاذ

 

داغ همرشولد واحد من أهم الشخصيات التي تولت الأمانة العامة للأمم المتحدة. كان مبادراً صاحب موقف ورأي لم يتهيب الكبار ولا غذّى أحلام الصغار. ولم يكتم القول إن “مهمة الأمم المتحدة ليست إيصال العالم الى الجنة بل إنقاذه من الجحيم”. ولبنان ليس فقط بين المؤسسين المشاركين في صوغ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” بل أيضاً من البلدان- القضايا المطروحة دائماً أمام مجلس الأمن والجمعية العمومية. فكل مرحلة عاصفة في تاريخه منذ الاستقلال حتى اليوم كان لها قرار دولي. والقوات الدولية على الحدود مع إسرائيل صارت جزءاً من المشهد اللبناني. إذ أنشأها مجلس الأمن بموجب القرار425 في السبعينات وعززها بموجب القرار1701بعدما أخرج القوات السورية بموجب القرار1559. اما اليوم، فإن لبنان محكوم بتركيبة سياسية-ميليشيوية تدفعه الى جهنم رافعة شعار إيصاله الى الجنة. وما يخيف التركيبة التي تمارس قمة الغطرسة في الداخل وصم الآذان عن نداءات الخارج، هو دعوة بكركي الى مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة لإنقاذ لبنان من جهنم.

 

ذلك أن الواقع أسوأ من التصور: الستاتيكو المفروض بالقوة من جهة والضعف أمامها من جهة أخرى إنهار. والوقت ضاق جداً أمام المساعي لوقف الكارثة. وليس أخطر من إتكال العاجزين على معجزة تنقذ لبنان في اللحظة الأخيرة سوى رهان المبالغين في القدرة على توظيف الإنهيار الكامل في خدمتهم لوراثة لبنان. شيء من الوهم، وشيء من الغيب. فلسنا في الحال التي وصفها ألبرت موسليو رئيس إتحاد المبادرات الديموقراطية في ماكدونيا بالقول: “مررنا بكثير من الجحيم، لكنه كان جحيماً مع رؤية”. نحن في جحيم بلا رؤية. سياسة مياومة. ولسنا في مدرسة بسمارك الذي قال عنه الجنرال ديغول إن”عبقريته هي في القدرة على التوقف عن الحرب التي بدأها”.

 

بسمارك ضرب في العام 1877 عبر توحيد ألمانيا ستاتيكو 1815 في أوروبا بعد حروب نابوليون والتسليم بمبدأ توازن القوى، حسب مترنيخ. لكنه، كما رأى أستاذ التاريخ في جامعة ييل جون لويس غاديس، “لم ينتظر أن يرى أين وكيف تقع القطع المتناثرة من الستاتيكو بل رسم سلفاً وأدرك أين وكيف تقع”. أما في حالنا، فان المتكلين على معجزة، مدمنو أحلام وردية في عالم قاس، والمراهنين على الوراثة لا يعرفون أين وكيف تقع القطع المتناثرة من لبنان. حتى الإنطباع الشائع حول الحسابات الدقيقة للورثة المفترضين، فإنه مبني على حسابات ذات بعد واحد في لعبة معقدة بين لاعبين على مسارح وخرائط متعددة، ومخادعين سواء في التحالفات أو في العداوات.

 

لينين كتب عن “مرض الطفولة اليساري”. ونحن نعاني مرض الشيخوخة اليميني الطائفي.