Site icon IMLebanon

فـي أروقة الأمم المتحدة ومحورية السعودية

 

أبرز المحطات والمواقف التي رشحت عن لقاء قادة العالم في الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، كان الحاضر الأكبر دولياً، غياب الرئيسين الصيني والروسي، وإقليمياً برز غياب الرئيس السوري، والأبرز كان تزامن غيابه مع الزيارة التي قام بها إلى الصين، بدعوة من رئيسها، للتباحث في ملفات دسمة، أهمها إعادة الإعمار والدور الصيني فيه، وكأنّ الرسالة، أنّ مركز الثقل والاهتمام لم يعد في المؤسسات التي تمثل الغرب، بل في مركز الثقل الشرقي وعاصمته بكين.

كما وبرز لقاء القمّة بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الاسرائيلي نتنياهو، العائد الى الحكم منذ 9 أشهر، ولم يُستقبل خلالها في البيت الأبيض، وسط مؤشرات خصومة عالية المستوى مع الإدارة الأميركية، وملفات شائكة، لا تنتهي في المفاوضات العائدة مع إيران بالوساطة القطرية هذه المرة، ويبدو أنّ جولة جديدة تُحضّر، إيرانية- أميركية، غير مباشرة، وعلى طاولتها المسيّرات الإيرانية، التي تُرسل إلى روسيا، في ظلّ الاهتمام الغربي بمسار المعارك، والعمل على تحسين ظروف الطرف الأوكراني، لإطالة أمد المعركة، لتحقيق بعض المكاسب، إن لم تكن على المستوى الميداني، فعلى الأقل، تكون بإلهاء الروسي قدر المستطاع، في ظلّ سخونة الملفات على الساحة الدولية، واحتدام الصراع على إعادة رسم موازين القوى الجديدة، على قاعدة تقدّم التعددية القطبية على حساب الأحادية.

 

أهم ما ركّز عليه الرئيس الأميركي في لقائه نتنياهو، هو قرب واحتمالية التطبيع مع السعودية، وموضوع الممر الاقتصادي من الهند إلى أوروبا، مروراً بالسعودية والإمارات وتعريجه نحو «اسرائيل».

 

في المقابل، برزت كلمة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، وسط صياح السفير الاسرائيلي، رافعاً صورة مهسا أميني، وتمّ إلقاء القبض عليه من قِبل أمن القاعة، حيث ركّز رئيسي في كلمته، على أنّ التطبيع مع اسرائيل هو خيانة وطعنة في ظهر الشعب والقضية الفلسطينية، غامزاً من القناة السعودية التي شغلت العالم بهذا الملف، الذي يُعتبر تطوراً دراماتيكياً في المنطقة لو حصل.

 

وما عزّز هذه الفرضيات، حديث ولي العهد شخصيًا في مقابلته الأخيرة مع «الفوكس نيوز»، حيث أكّد أنّ المفاوضات جارية، وأنّ المسافة باتت أقرب والأمل في تحقيق التطبيع بات أكبر من أي وقت مضى.

 

الإعلام والمشاهد الأميركي أبدى اهتماماً بالغاً بهذه المقابلة، كون ولي العهد السعودي اليوم، يعبّر عن الشخصية المؤثرة الأبرز على المستوى العالمي، وذلك لأسباب عدة، أبرزها الحرب الروسية- الأكرانية، وقدرته على التحكّم بأسعار النفط الآخذة بالارتفاع، على خلاف الإرادة الأميركية، والتي تريح الجانب الروسي وتدعم اقتصاده، وتؤثر بشكل حاسمٍ في مجريات العملية العسكرية.

 

وكذلك التطبيع مع اسرائيل أيضاً، يُعتبر من الملفات الحاسمة، التي يُمسك بها ولي العهد، والتي تُعتبر خطوة مصيرية وتاريخية، تقلب موازين كثيرة في تاريخ الصراع العربي- الاسرائيلي، وسياسات الشرق الأوسط، فيما لو حصلت، بالرغم من تأكيد ولي العهد، في المقابلة نفسها، وتركيزه على أهمية ومحورية القضية الفلسطينية، واضعاً بذلك، إطارًا للتطبيع وحدودًا له، ألا وهي الحقوق والدولة الفلسطينية، ما يعيدنا إلى حدود مبادرة بيروت عام 2002، إضافة إلى رمزية السعودية دينيًا، وموقفها من المقدّسات.

 

فيما ترى الأوساط الإعلامية الاسرائيلية، تعليقاً على المقابلة، أنّ حكومة نتنياهو، والتعقيدات في داخلها، إضافة إلى الأزمة السياسية والانقسام الداخلي، قد تشكّل عائقًا يجعل منها عاجزة عن الوصول إلى إبرام هكذا صفقة، بالرغم من أهميتها لاسرائيل وحاجتِها اليها.

 

يبقى على المراقب النظر بعمق إلى مفهوم السلام، بنظر كلا الطرفين، السعودي والاسرائيلي، والسلام المطروح على الطاولة نوعان،

 

الأول سلام مقابل السلام، أي أنّ اسرائيل لا تعتدي على السعودية والعكس،

والثاني الأرض مقابل السلام، أي أنّ على اسرائيل التنازل عن أراضي كثيرة، وجزء كبير من سياستها الاستيطانية، لصالح إقامة دولة فلسطينية، عاصمتها القدس، وصون المقدّسات المسيحية والإسلامية، وهذه هي روحية توصيات قمّة بيروت 2002، وهذا أمر ترفضه حتمًا أحزاب متطرّفة داخل حكومة نتنياهو.

 

تبقى الأنظار شاخصة على نتائج زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض، قبل نهاية العام الجاري، تلبيةً لدعوة الرئيس الأميركي جو بايدن التي تلقّاها منه في القمّة التي جمعت بينهما على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.