«جيل كامل حكم عليه بالفقر»، عبارة قاسية ومؤلمة في سياق إدانة من أعلى هيئة دولية للمجموعة الحاكمة المحمية من الإصبع المرفوع. عبارة قاسية لا يمكن فهم معناها الحقيقي الا بالتجربة اليومية لشعب حكم عليه بالفقر والذل، ولتجنب الكارثة المضاعفة يفترض به ولو متأخراً الّا يصدق بعد غد على هذا الحكم، بتكرار انتاج مأساته، فهل سيفعل؟
التقرير الصادر عن الامم المتحدة يؤكد أن الحكومة والمصرف المركزي والمصارف، ارتكبت جميعها انتهاكات لحقوق الانسان عندما تسببت في إفقار اللبنانيين، عندما دمرت الاقتصاد بقسوة، وان هذه الأزمة نتيجة لسياسات حكومية فاشلة، غابت عنها الاصلاحات حتى في ظل تدهور الوضع الاقتصادي. لم يكتف التقرير بذلك، بل وضع المسؤول الاممي أوليفييه دي شوتر الاصبع على الجرح بقوله إن المسؤولين في لبنان، لديهم شعور بالحصانة من العقاب، وهذه مشكلة كبيرة للغاية. وأضاف ان هؤلاء اطلعوا على مسودة التقرير قبل نشرها لكنهم لم يطعنوا في أي من المزاعم المتعلقة بانتهاك الحقوق.
ثلاث خلاصات من التقرير ومن كلام الموفد الأممي يمكن فهمها بوضوح لكل من يريد أن ينزع العصبة عن عينيه:
أولاً: الادانة الاممية لسلوك أهل السلطة وحاميهم، لا ترقى الى الشك، فالمسؤول الاممي زار لبنان لمدة 12 يوماً، وهو اعدّ التقرير بناء على معاينة موضوعية واستناداً الى ما تيسر من أرقام لا تحمل الشك، وقد أعد للتقرير الذي انتقد الاداء منذ وقوع الأزمة، قبل ثلاث سنوات، ولقد كان بالامكان لو أجريت الاصلاحات المطلوبة حتى بعد حصول الازمة أن تمنع الانهيار الكبير، لكن ما ورد في التقرير لاحقاً يشرح السبب الاساسي لعدم إجراء الاصلاحات.
ثانياً: الادانة الاممية لسلوك مجموعة السلطة تنبئ بأن لا أمل بالانقاذ في حال استمر هؤلاء بالإمساك بالحكم وبالرئاسات والوزارات، وبأن هذا السلوك هو سلوك دائم ومستمر، وقد يؤدي الى المزيد من تجريد الشعب اللبناني من الحد الأدنى لمقومات العيش، لا سيما اذا تمكنت هذه المجموعة من التجديد لنفسها في الانتخابات، والاستعداد لتشكيل حكومة بنفس التركيبة بما تحمل من فساد وتعطيل ومحاصصة وازدراء بأي اصلاح.
ثالثاً: وهو الأخطر، اي ما ورد على لسان المسؤول الأممي بأن المجموعة الحاكمة تعتقد أنها محصنة ولا تخشى العقاب. هذا الاستنتاج الذي خرج به، يشير بوضوح الى ما سيأتي بعد إعادة التجديد للأكثرية وتوابعها، فهذه الأكثرية وعلى الرغم من كل ما شهده لبنان من اعتراض شعبي منذ العام 2019 والى اليوم، لا تزال مطمئنة الى انها قادرة على خنق اي اعتراض جدي، كما لا تزال مطمئنة الى أنها محمية من حاميها اي «حزب الله» عراب النظام، كما أنها محمية وراء متاريس طوائفها ومذاهبها، حماية محكمة لا تطالها المحاسبة، ولهذا فهي مستمرة حتى النهاية في سلوكها المدمر، الذي سيشهد اللبنانيون فصولاً جديدة منه بعد الانتخابات. وبعد، هل سيقترع الجيل الكامل الذي حكم عليه بالفقر، وهو جيل عابر للطوائف والمناطق والمذاهب، للمجموعة الحاكمة؟ وهل سيذهب هذا الجيل الى الصناديق مغمض العينين؟ ام اننا سنرى صباح الاثنين بوادر انتفاضة تؤسس لثورة تمهيداً لاقتلاع من أفقروا الجيل ومن قضوا على مستقبل بلد بكامله؟ أم ان الجيل الفقير سيقترع لجلاديه على وقع سيمفونيات الخطاب السياسي الخشبي والماكر، الذي لا ينتظر الا من هو مستعد لدفنه؟ لن يكون هذا التجديد للمنظومة، اذا حصل، الا صك استسلام لشعب بأكمله، استسلام لا يعود بعده للحلول الكلاسيكسية مكان، وسيفرض هذا إن حصل اعادة النظر بأسس كانت حتى الامس القريب مسلمات، اما اذا انتفض جزء معتبر من اللبنانيين، فسيكون الآتي بداية جدية للتغيير.