جسمها لبيس الولايات المتحدة. فهي «الشيطان الأكبر». ليس فقط بموجب الفتاوى واجتهادات صادرة عن جمهورية ولاية الفقيه، ولكن أيضاً وفي تطور لافت، بموجب فتاوى واجتهادات صادرة عن قيصر روسيا، الذي يدافع هو أيضاً عن ثقافة بلاده ويحميها من النازيين الجدد بإبادة شعب او تهجيره.
صحيح ان الولايات المتحدة جسمها لبيس، وصحيح أنها غالباً ما تودي بحلفائها إلى التهلكة، أكثر مما تودي بالخصوم، لكن الصحيح أيضاً أن لغة الطغاة هي ذاتها، وأدبياتهم وسلوكياتهم هي ذاتها. لا فرق بين عربي وأعجمي وسامي وآري عندما يجب أن ترتكب جرائم ضد الإنسانية، ومن ثم يصار إلى تبريرها في استنساخ للحجج التي تغلِّب نظريات المؤامرة، ما يستوجب دفاعاً عن النفس بالاعتداء على نفوس، كل ذنبها انها وجدت في ساحة النزاع.
لذا يستطيع كل متضرر من سياسات «الشيطان الأكبر» تفصيل مؤامرة تخدم أهدافه وإلصاقها به. كذلك يفعل كل من يريد ابتداع بطولات وانتصارات خاصة به على جماعته أولاً، وعلى من يستطيع استضعافه والتحكم به ثانياً، ان يستخدم الوسيلة ذاتها لتبرير ما يرتكبه.
وآخر هذه التبريرات تبلورت في إطار المعطيات قدمتها وزارة الدفاع الروسية حول قيام واشنطن بنشر مختبرات لصناعة أسلحة جرثومية وبيولوجية في أوكرانيا.
ووفقاً للوزارة، «كان هدف المشروع دراسة إمكانية نشر أمراض تتميز بقدرتها على الانتقال على شكل عدوى فائقة الخطورة من خلال الطيور المهاجرة، التي تمر طرقها بشكل رئيسي عبر روسيا، كما تم تلخيص معلومات عن طرق هجرتها عبر دول أوروبا الشرقية. بالإضافة إلى تطوير مشروع يعتمد على الخفافيش كناقلات محتملة لعناصر الأسلحة البيولوجي»..
ولم توفر وزارة الدفاع حشرات البراغيت والقراد، فأفردت لها مكانة في المعركة. لكن المفارقة هي في إعلان هذه المعطيات بعد الغزو، وليس قبله. تماماً كما كان مرتزقة إيران يفعلون مع كل جريمة إغتيال في لبنان، إذ يحضرون الشائعات التي تناسب النيل من الضحية بعد قتلها.
ولم لا؟؟ فكل ما يغني دفتر التبريرات يمكن إدراجه في القاموس الحربي، من التطرف والنازية والنووي وصولاً إلى البيولوجي..
لكن التغيير النوعي الذي دخل على قاموس الطغاة، على الرغم من أنه يتناقض مع سياسة الحديد والنار المتبعة، يتعلق بكلمتي الثقافة والحريات، هما تنتقلان بين موسكو وبيروت بأريحية، وأدواتهما تبدأ من «ضربة كف الحاج أبو علي»، لا تنتهي بالاغتيالات والاجتياحات وإبادة ثقافة لإرساء ثقافة أخرى لا قوام لها إلا وثنية الصور والشعارات، وحملات التضليل المستمرة وغسيل العقول وإلغاء المنطق والالتزام بتبعية خشبية تسود القطيع الطائفي والإيديولوجي، ومن يخرج عنها يهدر دمه.. وبكل احترام لحرية القتلة.
أما حرية القتلى، فهذا شأن آخر. خياراتهم واضحة ومحددة. والرسائل التي توجه اليهم لا يتولى إيصالها خفافيش الليل. هم يتلقونها جهاراً/نهاراً.
فوظيفة الخفافيش، كما عهدناها في القرن الماضي مع الجمهوريات القومية والاشتراكية والشيوعية، انتهت صلاحيتها، باتت «old fashion».
خفافيش القرن الواحد والعشرين لا تكتفي بضحية بعينها، بل تتولى مهام عسكرية رفيعة لنشر وباء يطيح بشعب كامل، كما في أفلام الخيال العلمي.. بعضها يترقى إلى رتبة جنرال إذا أجاد إتمام وظيفته ونفذ ولم يعترض.
أما للتخلص من مشاغب مزعج يطالب بالحرية، وسلاحه الوحيد صوته او كلمته، فغالباً ما يكون الرسول الذي يؤدبه معلوماً ومعروف الهوية والعنوان.. لكنه يبقى فوق الملاحقة والمحاسبة.. فقط لأنه في محور العداء لـ»الشيطان الأكبر».