الكرة في ملعب البرلمان… ولا حلّ من دون الذهاب الى انتخاب رئيس الجمهوريّة
لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تُهدّد بفرض العقوبات الإقتصادية على “المعطّلين” في لبنان لانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة والإستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي وتحقيق الإصلاحات المطلوبة. وعبّرت عن استيائها الكبير من أداء المسؤولين اللبنانيين أمام بعض النوّاب الذين زاروها أخيراً في واشنطن، وصولاً الى حدّ “التهديد” بسحب الهبة المالية التي منحتها أخيراً للجيش اللبناني، وعدم مساعدة لبنان بهبات أخرى، انطلاقاً ممّا طُرح عن مدى جدوى صرف 72 مليون دولار كهبة لبلد ذاهب الى الإنهيار الشامل.
أوساط ديبلوماسية مطّلعة أكّدت أنّ العقوبات الأميركية قد أنهكت لبنان واقتصاده، الى جانب ما تفرضه عليه من “حصار سياسي”. فصحيح بأنّ العقوبات الأميركية تطال مؤسسات وشخصيات محدّدة، وليس لبنان ككلّ، كما أن باستطاعة لبنان في الشكل أن يستورد من أي بلد في العالم (باستثناء “إسرائيل”) في حال توافر السيولة.. غير أنّ الضغوطات السياسية التي تفرضها الولايات المتحدة على الحكومات المتعاقبة، ما جعلها ترفض المساعدات والهبات، تارة من إيران وطوراً من روسيا، فضلاً عن تداعيات “قانون قيصر” المفروض على سوريا على اقتصاد لبنان ككلّ، وإن عُلّق أخيراً بسبب الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط الجاري حتى آب المقبل، تُشكّل جميعها حصاراً واضحاً على البلد، يُساهم في تفاقم أزماته الإقتصادية والمالية والمعيشية والإستشفائية.
أمّا المشكلة في لبنان فواحدة، على ما أوضحت الاوساط، وهي ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء، وبمجرّد اتخاذ الحكومة الحالية ومجلس النوّاب الخطوات اللازمة لخفض ثمنه وإعادة القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، يتمّ إنهاء جزء كبير من الأزمات المستشرية حالياً، سيما وأنّ غالبية أسعار السلع والمحروقات والمواد الغذائية والأدوية وسواها تتعلّق بسعر صرف الدولار. ولكن هذا الأمر لا يتحقّق بسبب الخلل القائم في مؤسسات الدولة، والضغوطات التي تُمارس عليها، ولهذا فإنّ أي إصلاح حقيقي وفعلي لن يحصل من دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وتطرح الأوساط الديبلوماسية نفسها علامات استفهام حول عجز المسؤولين السياسيين في لبنان عن “توحيد” سعر الصرف، حتى في الموازنة العامّة الأخيرة التي وضعتها، وعن عدم تحرّكهم بالتالي لإيجاد الحلول للأزمات المستمرّة بهدف إنقاذ المصارف والمودعين، إنّما ترك الأمور على حالها، لا بل آيلة الى المزيد من الإنهيار. ولفتت الاوساط الى أنّ الأميركيين لا يهتمّون لما يصل اليه الوضع الداخلي اللبناني، كونهم يجدون أنّ المسؤولين اللبنانيين لا يتخذون أي إجراءات تُساعدهم على الخروج من هذا النفق، ولهذا فإنّ الإتفاق مع صندوق النقد الدولي بات في الثلاجة.
وتحدّثت الاوساط عن أنّ العوائق لتحقيق الإصلاحات في لبنان تتعلّق بعدم وضع موازنة العام 2022 إلّا في تشرين من العام الماضي، على سبيل المثال، وعدم البحث في موازنة العام 2023 حتى الآن، في حين أنّ المطلوب أن تشمل الموازنة الأمن الغذائي والإجتماعي وما الى ذلك.. أي أن تطرح إصلاحات فعلية تصبّ في مصلحة الشعب اللبناني ولبنان. أمّا عدم حصول ذلك، فيضع الإتفاق أو البرنامج مع صندوق النقد مجمّداً في المرحلة الراهنة، رغم أن توقيعه من شأنه زيادة الإستثمارات في البلد، وإعادة ثقة المجتمع الدولي به. علماً بأنّ صندوق النقد يُطالب بتطبيق أمرين أساسيين هما: الهيئة الناظمة وحسابات كهرباء لبنان، غير أنّه لم يتمكّن من الحصول عليهما بعد.
لكن الأوساط عينها أشارت الى أنّ المطلوب من قبل الولايات المتحدة اختيار الرئيس الجديد للجمهورية من خارج الإصطفافات الحالية. ومن المعلوم أنّه اذا لم يُوافق حزب الله على أي إسم يتمّ التداول به، فمن الصعب وصوله الى قصر بعبدا. ولهذا يطرح البعض ضرورة التقريب في وجهات النظر، لأنّ الوضع في البلد لم يعد يحتمل التأجيل، سيما وأن مواقع عدّة في البلد ستشغر خلال الأشهر المقبلة، ما قد يُفاقم الخلافات السياسية الداخلية.
وثمّة سؤال يطرح نفسه هنا: هل السياسة الأميركية في لبنان هي مساعِدة للوضع السياسي المجمّد فيه في الوقت الراهن؟ فتجيب الأوساط بأنّ الأميركيين يبدون اليوم مهتمّين بموقعين إثنين هما: منصب قائد الجيش المقبل، وحاكم مصرف لبنان. وينصب اهتمامهم على هذين المنصبين أكثر من اهتمامهم باختيار إسم رئيس الجمهورية المقبل. فيما يؤكّدون بأنّه على المسؤولين اللبنانيين التوافق فيما بينهم لإنتاج الرئيس، وأن يبدوا المرونة في الشقّ السياسي، والإلتزام بالتالي بتحقيق الإصلاحات المطلوبة. ويشيرون الى أنّ أداءهم حتى الآن لم يكن مشجّعاً لا سيما من خلال عدم تجاوبهم في وقت سابق مع المبادرة الفرنسية، ولا مع مطالب صندوق النقد الدولي، ولهذا يحارون كيف يمكن تغيير هذا الأداء.
وتقول الاوساط بأنّ الضغوطات والعقوبات الأميركية المستمرّة على لبنان بهدف حماية أمن العدو الإسرائيلي، قبل أي شيء آخر، هي التي دفعت، بحسب رأيها، الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله الى إعلان ما قاله أخيراً فيما يتعلّق بشنّ الحرب على “إسرائيل” في حال تواصلت مسألة تخريب البلد من جميع النواحي من قبل الإدارة الأميركية. فيما يُبدي الحزب استعداده للحوار مع أي جهة للتوافق معها على انتخاب الرئيس الذي لا يطعن المقاومة في ظهرها، ويكون قادراً على إنقاذ البلاد من أزماته المتفاقمة.
وتقول الاوساط بأنّ بداية أي حلّ في لبنان لا يُمكن أن يكون إلّا سياسياً ومن خلال التوافقات الداخلية، إذ من الصعب وصول أي شخصية الى قصر بعبدا من دون موافقة حزب الله. وهذا الأمر يعلمه الأميركيون تماماً، ولهذا يتصرّفون على أساسه، من دون أن يستعجلوا فرض أي شيء، باستثناء التلويح بالمزيد من العقوبات على بعض الشخصيات أو المؤسسات. ولهذا فإن الكرة هي اليوم في ملعب مجلس النوّاب، الذي عليه كـ “هيئة ناخبة” الذهاب الى انتخاب رئيس الجمهورية، وبدء طرح الأسماء الجدية للرئاسة لجوجلتها داخل البرلمان بدلاً من التوافق عليها خارجه، خصوصاً مع رفض عدد من الكتل النيابية الحوار الشامل من أي جهة سياسية أو دينية أتت الدعوة إليه.