بعد التطوّر المستجد في عملية مطار بغداد التي نفذتها الولايات المتحدة الاميركية والتي أسفرت عن مقتل شخصيتين قياديتين كبيرتين إيرانية وعراقية، يطرح السؤال ذاته ما إذا كانت التداعيات ستصيب لبنان ليس فقط في مسار تشكيل الحكومة، بل ما إذا كان البعض سيجر لبنان الى المواجهة بين «جبهة المقاومة والممانعة» والولايات المتحدة الاميركية لإدخال لبنان في حرب ليست حربه، ولكنه سيكون، بالتأكيد، أحد أكثر الأطراف تأثراً بنتائجها السلبية التي ستكون موجعة جداً في لبنان، هذا البلد الذي لم يُشفَ بعد من آثار وضعه في مواجهة العالم كله، وبالذات في مواجهة الولايات المتحدة الاميركية.
لا شك في أنّ مقتل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي ابو مهدي المهندس وستة من الذين كانوا في الموكب… لا شك في أنه حدث كبير، ولكنه جزء من الصراع بين واشنطن وطهران المفتوح على المواجهات كلها… ومن أبرزها ما نفذته إيران ضدّ وحدة «المارينز» الاميركية على طريق المطار وأسفر عن مقتل ٢٢٠ من المارينز و١٨ بحاراً وثلاثة جنود (١٩٨٣) وأيضاً عمليتها الثانية (١٩٨٤) التي أسفرت عن سقوط ٢٨ قتيلاً معظمهم ديبلوماسيون، الذين لم تتوقف واشنطن عن الإعلان انها ستنتقم لهم.
وبالتالي فإنّ لبنان ليس في حاجة الى أن يكون عنصراً في هذه المواجهة، والأمل ألاّ يجرنا أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي سيتحدث عصر يوم غد الأحد وهو الذي دعا، أمس، الى مواجهة شاملة قائلاً: «القصاص من مسؤولية جميع المقاومين في العالم»… كما أنّ المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني الذي اجتمع أمس برئاسة خامنئي توعّد بأنّ «الرد على الجريمة «سيشمل المنطقة بأسرها وسيكون ثقيلاً ومؤلماً».
ذلك أنه يكفينا ما فينا من مصاعب وتعثر وأزمات إقتصادية ومالية… ولسنا في حاجة الى المزيد… فنحن لسنا مع الأميركي، ولكن العقل والمنطق يبيّنان بأنّ أحداً لا يقدر على الولايات المتحدة الاميركية، والحكمة، كل الحكمة، في ما قاله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي دعا الى ضبط النفس!
صحيح أنّ الضربة موجعة لإيران و»ثقيلة ومؤلمة» ولكن تجنيب لبنان تداعياتها لا يزال ممكناً، فأميركا التي نفذت هكذا عملية في بغداد بالذات كانت تستهدف إيران مباشرة بقتل سليماني ومرافقيه من كبار ضباط الحرس الثوري، ولكنها أيضاً كانت تستهدف النظام الايراني في أحد أكثر المناطق التي يبسط فيها نفوذه المطلق… فالعملية في بغداد بالذات تحمل البعدين: ان أحداً ليس بعيداً عن اليد الاميركية الطائلة، وأنه على إيران ان تعود الى… إيران! وبالتالي لا بدّ من سقوط المقولة التي يعتز بها نظام ولاية الفقيه من أنه يحكم أربعة عواصم ويتحكم بها ويقرّر مصائرها.
ولعلّ أكثر ما يمكن التوقف عنده في هذه اللحظة العصيبة، وبالذات في مناسبة عملية مطار بغداد أمس، هو قول الرئيس الاميركي دونالد ترامب في تغريدة على حسابه الرسمي على «تويتر»… إذ قال: «إيران لم تربح أبداً في الحرب… ولكنها لم تخسر أبداً في المفاوضات». وهذا القول يحمل رسالتين داخلية وخارجية، فالرسالة الخارجية هي بمثابة دعوة الى إيران لوقف التعنّت والموافقة على التفاوض مع واشنطن والمجتمع الدولي على اتفاق جديد للنووي الايراني… وأمّا الرسالة الداخلية فهي الى الشعب الاميركي في المرحلة التمهيدية لرئاسة الجمهورية وخلاصتها أنّ منافسيه الديموقراطيين برئاسة باراك أوباما أساءوا التعامل مع إيران في المفاوضات التي ربحت فيها بعد أخذٍ وردّ استمرّا نحو عشر سنوات… وبالتالي هي دعوة للتجديد له ولاية ثانية في البيت الابيض.
وثمة إشارة أخيرة: هل هي مجرّد مسألة عابرة أن يقدّم أهالي حلب الحلوى إحتفاءً بمقتل قاسم سليماني الذي ذاقوا الامرّين من هيمنته على بلدهم؟