ليس صعباً الخلاف على قانون جديد للانتخابات النيابية، لكن الصعوبة تكمن في الاختلاف على أي لبنان يريد اللبنانيون.
وبين الخلاف والاختلاف يدور صراع على أي لبنان نريد.
هذا السؤال طرحه في العام ١٩٥٨ المفكر الكبير اميل خوري، وما زال الجواب عليه لغزاً سياسياً، لا مجرد موقف سياسي.
الا ان السؤال يبقى محور نقاشات صعبة. ذلك أن الوحدة في الجواب مثل الكثافة في السؤال، وعنواناً غامضاً لبديهيات الأمور والشجون.
في العام ١٩٦٣، طرح عتاة في السياسة أسئلة كثيرة، حول مستقبل الحياة السياسية في البلاد.
الا ان الانتخابات البلدية يومئذٍ، حملت الى المجالس البلدية وجوهاً جديدة ينبغي التفكير فيها بروية وهدوء.
ولو أعاد المراقبون التفكير في ما حدث قبل مائة عام، لأدركوا ان البلاد كانت أنصع وجوهاً مما يعرفونه الآن من وجوه.
هل يدرك رواد القومية العربية أن حقبة ستينات القرن الماضي عرفت وجوهاً عربية ورؤساء دول حضروا الى لبنان، ومارسوا السياسة بحرية، على غير ما هو معروف وما هو ميسور الآن.
هل يتذكر اللبنانيون أن حقبة السبعينات شهدت بروز المد اليساري في بيروت وطرابلس والميناء، وانحسار التزمت السياسي، على غرار ما هو سائد الان في بعض المدن والأقاليم؟
عندما كان كمال جنبلاط يشهد الامتداد اليساري على طريق المطار، من بيروت الى جوار جامعة بيروت العربية لم يكن أحد يعرف أن القومية العربية كانت رابضة على الأكتاف، في ظل نظرات قومية ويسارية في جوار اطلالة عروبية مستمدة من اطلالات قومية لا طائفية.
وقع الانحسار لاحقاً، وحل مكانه الانحطاط في النظرة القومية!!
في حقبة السبعينات ظهر التعصب التركي في قبرص، وبدت جمهورية مكاريوس مشلعة، ذلك أن فماغوستا أجمل المدن اليونانية استولى عليها الأتراك، وأصبح الاستيلاء على جمهورية مكاريوس في طليعة الأهداف عند الانكليز والأتراك.
في تلك الحقبة، قام وفد لبناني بزيارة قبرض، لكن زعيمها كان خائفاً على لبنان، وبادر وفداً لبنانياً بقوله: احذروا قبرصة لبنان.
كان المطران مكاريوس يعتقد أن القبرصة لن تستمر طويلاً، لكنها بقيت تطفو على المياه القبرصية، مثلما يطفو اليوم البترول والغاز على المياه القبرصية نفسها.
والواقع، أن لبنان استسلم للقبرصة، لكنه لم يقم بأي خطوة لمنع امتداد القبرصة الى لبنان.
هل نسي اللبنانيون الموضوع، أم تعودوا عليه؟
من أجل ذلك يستصعب الرئيس سعد الحريري المسألة، ويخاف من قبرصة لبنان.
من أجل ذلك، يحرص الآن، مع سواه من اللبنانيين، على رؤية واحدة ينصهر من خلالها اللبنانيون على رؤى واحدة تجمع ولا تفرّق.
والمشكلة ليست كامنة في تجزئة الوطن، بل في منع التجزئة.
كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يقلق على لبنان من التجزئة، لأنها وحدها كانت تهدد حصانة البلاد السياسية كما هي العلمنة في الانتخابات البلدية.