IMLebanon

في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سقطت الشرعية الدولية في غزة

 

في زيارته الثانية لي في مكتبي بقصر العدل يرافقه نائبه القاضي رالف رياشي فاجأني السير ديفيد باراكونات رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بسؤال عن رأيي في القضاء الدولي فأجبته بأن القضاء الدولي ضرورة لإنصاف المستضعفين ولكن إجراءات المحاكمات الدولية بطيئة جدا ما يسيء الى نظام العدالة. لأن العدالة المتأخرة هي اسوأ من الظلم.

لكن المعضلة التي تواجهها العدالة الدولية ليست فقط في بطئها وانما في فعالية القضاء الدولي لمحاكمة المتهمين بجرائم خطيرة مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتعذيب وحالات الإخفاء القسري.

 

ان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم هي ركن ضروري من اركان مبدأ احترام حقوق الإنسان لأن هذه المحاسبة قد لا تكون متاحة في انظمة المحاكم الوطنية بسبب انعدام الإرادة السياسية لذلك بحيث يستمر الجناة في تبوؤ مناصبهم ما يسمح لهم بارتكاب المزيد من الإنتهاكات.

في مثل هذه الحالات لا بد من تدخل العدالة الدولية عبر آلياتها لضمان اجراء التحقيقات واحالة الجناة الى المحاكمة والتعويض على الضحايا.

ان اول مؤسسة دولية تعنى بهذا الشان هي المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست في العام 2002 والتي كانت في صلب معاهدة روما،وإن اول من اقترحها الفقيه السويسري «غوستاف مونييه» في العام1872 وهي محكمة دائمة تستطيع اجراء التحقيق ومقاضاة المسؤولين عن الجرائم.

تحال الدعاوى لهذه المحكمة بواحدة من الطرق الثلاث التالية:وهي اولا من الدولة المعنية،والحالة الثانية من قبل مجلس الأمن الذي يحق له ان يوقف التحقيق كما تنص المادة «16» من نظام المحكمة والتي تسمح لمجلس الأمن بإيقاف التحقيق ضمن شروط نص عليها النظام. اما الحالة الثالثة فهي حق المدعي العام لدى المحكمة ولكن هذه الصلاحية مقيدة بعدة قيود اهمها  الحصول على اذن الدولة المعنية بالتحقيق.

وبالرغم من الأهداف السامية من عمل المحكمة الجنائية الدولية فلأنها تواجه عددا من السلبيات مثل عدم قدرتها على النظر في الجرائم السابقة لتشكيلها، وأن ولايتها تقتصر على مواطني الدول التي وقَّعت وصادقت على اتفاقية انشائها.

من جهة أخرى لا ضمانات لإلزام الدول الكبرى على التعاون مع المحكمة وعلى تنفيذ احكامها،ولهذا نرى ان المعارضين لهذه المحكمة هم هذه الدول الكبرى، وقد تعرضت المحكمة الى عقوبات فرضتها عليها اميركا لأنها وافقت على التحقيق في جرائم الجيش الأميركي في افغانستان ما ادى الى شلل عمل المحكمة.

ولهذا السبب نلاحظ لجوء المجتمع الدولي الى نوعين من المحاكم الدولية الخاصة مثل المحاكم المختلطة كتلك الخاصة بالبوسنة وكمبوديا وسيراليون. ومنها الخاصة مثل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان .والمحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة والثانية برواندا.

لكن مشكلة المحاكم الخاصة انها تنتهي بانتهاء القضية المنشأة للنظر فيها في حين ان طموح البشر ان يكون ثمة عدالة دولية دائمة تتمتع بجهاز قضائي مستقل،وأن تحظى بالدعم المالي الدائم وأن تكون ذات صلاحية شاملة وأن تتعهد الدول كافة بتنفيذ أحكامها بحيث يتحقق دور القضاء الدولي في ملاحقة مرتكبي الجرائم الماسة بالقانون الدولي ومقاضاة مرتكبيها وتحقيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

ان المشهد الدولي اليوم كثير الشبه بالمشهد الذي كان عشية الحرب العالمية الثانية وكان سببا لها. اذا ان الدول الكبرى تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن لإنتهاك الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة لاسيما اطفال هذا الشعب الأبرياء. ما يؤدي الى زعزعت النظام الدولي.

ولعل ابلغ دليل على هذا الوضع هي الرسالة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة الى مجلس الأمن ينبهه فيها الى ان ما يحصل اليوم هو تهديد للأمن والسلام الدوليَّين.

* مدعي عام التمييز سابقاً