IMLebanon

مرجعية الجامعة… لا الطائفة!

هذه ليست الجامعة التي نعرفها. ليست جامعتنا التي احتضنت أفضل الطاقات وخرّجت عشرات الألوف من الطلاب، وجمعت كل الفئات المتنوعة. هي ليست جامعتنا اللبنانية، حين يصبح الخطاب الطائفي والمذهبي عنواناً رئيسياً فيها، يهيمن على كلياتها وكيانها ويأخذها الى ساحة المذاهب والطوائف، وكأنها قطعة للتقاسم وتبادل المنافع. فقد نجح البعض في تغيير وظيفة الجامعة، على رغم الطاقات الموجودة فيها والحريصة على استمرارها واحة للتعليم العالي. صار مقياس القوى السياسية حصصها، بين مدير من هذا المذهب أو ذاك واستاذ من هذا الطرف، ولو كان ذلك على حساب المعايير الأكاديمية والاختصاص والكفاية والشفافية والمحاسبة. فها هي شعارات جوفاء تستعاد عند كل منعطف، وتدخل سياسي فاضح، جعل الجامعة مكاناً للمحاصصة والتقاسم، وسيطرة طائفية ومذهبية تسيّر شؤونها.

ليس تعيين المدير في إدارة الأعمال في طرابلس، مشكلة في ذاتها، إذ لا فرق بين مديرة مسيحية أو مدير سني، إذا كان التعيين تحكمه القوانين والكفايات الأكاديمية والانتخاب، انما المشكلة تكمن في ما حصل من اصطفاف سياسي ومذهبي في الجامعة، وتحويلها ساحة صراع، إذ كيف تتم المطالبة علناً بمدير من مذهب معين بحجة ان الموقع حق مكتسب للطائفة؟ ثم رفض تعيين مدير من مذهب آخر واعتباره دخيلا على الكلية.

كل ما يحصل في الجامعة اليوم يفقدها مقوماتها الاكاديمية، ويحولها مرتعاً للعابثين، ومكاناً للفوضى يسقط ما تبقى من نخبة جامعية فيها. والاتهام هنا موجه للجميع، خصوصاً لأصحاب الاصطفافات الطائفية بين ادارتها واساتذتها والقوى التي تتدخل في شؤونها، أنكم تنهون رسمياً تاريخها المضيء، ودورها الأكاديمي ووظيفتها البحثية العلمية، وحين كانت محصنة ضد الاختراق السياسي والطائفي والاستباحة. فنشهد خروجاً فاضحاً للخطاب المذهبي، الذي يطالب بحقوق الطائفة في تعيينات الجامعة، وفي المقابل إدارة تخضع لما يمليه أهل السياسة والطوائف، فتتحكم القوى في أمورها وتتدخل في شؤونها، لتعيّن من ترغب فيه تابعاً وترحّل من يتمرد عليها أو يخرج عن طوعها ومشيئتها.

قد نكون بتنا أمام مؤسسة تنازع، لكنها لا تستسلم للذين يريدون نحرها باسم الطائفة أو المذهب. والمؤسف ان القرار السياسي والطائفي يحكمها اليوم على حساب المعايير، فتسقط النخب الأكاديمية أمام الطائفة والمذهب. لكن الجامعة فيها طاقات علمية تغالب لرفعة شأنها، ولا تزال تخرّج من بين الركام مستويات تستطيع أن تنافس متخرجي أرقى الجامعات. هذا ما يبنى عليه، إذا قررت النخب أن تنهض بالجامعة، وتعيد تحديد أولوياتها، فلا مشكلة بهوية مدير من طائفة معينة، بل المقياس يبقى في إدارة الجامعة أكاديمياً وباستقلالية مصلحتها الجامعة أولاً وأخيراً!