الشباب اللبناني يتخلّى عن متابعة الدراسة لتقديم يد العون إلى عائلاته المحتاجة
لطالما شكّل التعليم العالي في لبنان علامة فارقة على صعيد العالم العربي. وقد ساهم بتكوين الأجيال المتعلمة والكفوءة التي يحتاجها البلد في بناء المستقبل. هذا التعليم تضرّر بشدة منذ بدء الأزمة في لبنان وانتشار وباء كورونا، ووجد نفسه على شفير الإنهيار. فهل خسر لبنان هذه الميزة؟ وما هي حال طلاب الجامعات اليوم؟
يواجه التعليم الجامعي في لبنان تحديات كثيرة نتيجة الأزمة الاقتصادية. حيث انعكس انهيار العملة المحلية مقابل الدولار ارتفاعاً في الأقساط بشكل كبير في معظم الجامعات الخاصة. كما أدى وباء كورونا الى تراجع جودة التعليم، بعدما تحول إلى تدريس عن بُعد.
إذاً، بات لبنان اليوم مهدداً بفقدانه أحد الأعمدة الأساسية التي ساعدت اللبنانيين على مواجهة الأزمات الماضية، والتي من المفترض أن تساعده لمواجهة الأزمة الحالية. إلى جانب الغلاء الجنوني، يناضل جيل الشباب للحصول على شهادات جامعية تكون سلاحهم الوحيد في مواجهة صعوبات الحياة، فهم يبحثون كل يوم عن “لمحة أمل وسط اليأس المتفاقم”. وكلما أتت الفرصىة، تتجه إدارات الجامعات الخاصة الى رفع أقساطها بطريقة عشوائية، ما يؤدي الى خنق الطلاب وتهجيرهم والقضاء على مستقبلهم. لأن الأغلبية الساحقة من الطلاب غير قادرة على تحمل أي تكاليف إضافية.
زيادات تُفرض على الطلاب بالفريش
“جامعة تلوى الأخرى” تزف الخبر لطلابها وتفاجئهم في منتصف السنة بزيادات على الاقساط وبالدولار. وكانت الجامعة الأميركية في بيروت قد شهدت احتجاجات طلابية اعتراضاً على رفع الأقساط، واعتماد أسعار صرف مرتفعة للدولار في التسعير وكذلك الجامعة اللبنانية الأميركية، والجامعة الأنطونية التي أعلمت طلابها بزيادة القسط بقيمة 180 دولاراً (فريش) في الفصل الواحد (حيث يدفع الطالب 60 دولاراً كل شهر)، والجامعة العربية التي جعلت الأقساط مدولرة على اساس سعر دولار الـ 5000 ليرة، مع إضافة مبلغ بالدولار النقدي للمصاريف التشغيليّة. وكذلك قررت الجامعة اليسوعية زيادة 250 دولاراً (فريش) على القسط الفصلي لكل طالب والتي تقسم على دفعتين متساويتين (125 دولاراً لكل دفعة)، مع العلم أن الجامعة وعدت طلابها عند التسجيل بأنها لن تعدل الأقساط بعدما حددت الدولارعلى أساس 2700 ليرة. وبررت الجامعة في بيان لها فرض هذا المبلغ بالدولار لكون “72 في المئة من النفقات تدفع بالدولار، وللحفاظ على الكادر التعليمي الذي يغادر الجامعة لعدم قبض الرواتب بالدولار، إضافة الى النقص في التمويل الخارجي”.
الشباب اللبناني بلا دعم!
بحسب تقويم صادر عن مكتب “يونيسف” في لبنان تحت عنوان “البحث عن الأمل”، “يضطر الشباب والشابات على اختلاف إنتماءاتهم وخلفياتهم الى تحمّل مسؤوليات جمة، تتجاوز أعمارهم وقدراتهم على مواجهة الأزمة الثلاثية الأبعاد، من إنهيار إقتصادي شديد وتفشي جائحة كوفيد-19 وآثار تفجيرات مرفأ بيروت عام 2020، مع كل ما يترتب على ذلك من آثار ضارة على صحتهم النفسية وعلى إمكانية حصولهم على الفرص المرتجاة. كل تلك التأثيرات الشديدة تدفع الكثير من الشباب والشابات الى التسرب من التعليم الأكاديمي، ومن مختلف أنواع التعليم الأخرى للإنخراط في عمل غير رسمي أو غير منتظم أو حتى متدني الأجر، بهدف تأمين أي دخل يمكّنهم من مساعدة أسرهم على مواجهة التحديات المتزايدة. وقد دفعت الأزمة 4 من كل 10 شباب وشابات الى تخفيض الإنفاق على التعليم من أجل تأمين الأساسيات من غذاء ودواء ومواد أخرى، كما يوجد هناك 3 من كل 10 طلاب توقفوا عن التعلّم، ونسبة 31 في المئة من الشباب خارج دائرة العمل أو التعليم أو التدريب، وانخفضت نسبة الالتحاق في المؤسسات التعليمية من 60 في المئة في العام الدراسي 2020-2021 إلى 43 في المئة في العام الدراسي الحالي. وكذلك هناك 41 في المئة من الطلاب يشعرون أن فرصتهم الوحيدة هي البحث عن فرص عمل في الخارج”. فهل حقاً أصبح التعليم للمقتدرين فقط؟ وماذا عن الفقراء أو غير القادرين على تحمل هذه التكاليف الباهظة؟ لقد حرموا جيلاً بكامله من سلاحه الوحيد الذي لطالما حلم به وخطط له، للحصول في نهاية المطاف على عمل لائق والمساهمة في ازدهار وطنه، أما اليوم فنرى الشباب يغادرون البلاد بحثاً عن من يقدر مهاراتهم، ومحظوظ من يتمكن من مغادرة لبنان وتأسيس حياته في الخارج.
لا يجب إغفال دور جيل الشباب في عملية بناء الوطن وتنمية اقتصاده، فهم مستقبل البلاد ويجب الاستفادة من طاقاتهم وشهاداتهم وكفاءاتهم. وفي حال بقى موضوع التعليم مهمشاً في لبنان، سيصبح مستقبل شبابه في خطر، وسنشهد المزيد من حالات الفقر والجوع والعنف والبطالة، خاصة وأن موضوع الجامعة اللبنانية ما زال بعيداً عن الأنظار، ويجب التدخل سريعاً لإتخاذ الاجراءات المناسبة للتخفيف من حدة اليأس عند الشباب الذين أصبحوا “جيلاً بلا أحلام” همهم الوحيد تأمين قوتهم اليومي. وبحسب منظمة اليونيسف “يجب التحرك الآن منعاً من فقدان جيل بكامله، فهناك حاجة الى الاستثمار في التعليم لضمان عدم توقف الشباب والشابات عن التعلم واكتساب المهارات التي يحتاجون اليها بسبب افتقارهم الى التكاليف اللازمة، وكذلك دعمهم لمواجهة تحديات سبل العيش ومخاطر الحماية وتوفير الرفاه النفسي والعاطفي لهم”.