Site icon IMLebanon

دولرة الأقساط وهجرة الأساتذة

 

 

في خطوة مؤلمة في أبعادها ومدلولاتها بدأت الجامعات والمؤسسات التربوية الخاصة تحصيل أقساطها نقداً أو بالدولار الأميركي (فريش). صحيح كان الأمر متوقعاً في ظل الإنهيار المالي الحاصل، ولكن الصحيح أيضاً أن لقرار من هذا النوع تداعيات “عميقة” على المستوى التربوي لأنه سوف يقفل أبواب هذه المؤسسات على قسم كبير من الشباب اللبناني الذي لم يعد بإمكانه ولا بإمكان ذويه دفع مستحقات التعليم.

 

من ناحيتها الجامعات والمدارس وجدت نفسها أمام واقع يشتد صعوبة يوماً بعد يوم. كلفتها التشغيلية ترتفع على وقع الإنهيار، من كلفة الكهرباء، إلى كلفة أعمال الصيانة، إلى أسعار عدد كبير من الخدمات الأساسية التي تدفع بالدولار الأميركي. ناهيك عن حجز ودائعها في المصارف، والهيركات المفروض بأمر الواقع والتعاميم على قيمة موجوداتها المالية. بالإضافة طبعاً إلى المطالب الضاغطة والمحقة من قبل طاقمها بتعديل الرواتب والمستحقات للحدّ من تداعيات انهيار العملة الوطنية.

 

فالتحدي الأكبر الذي يواجه القطاع التربوي، بشقيه العام والخاص، هو ما أصاب رواتب المدرّسين وكافة الطاقم العامل في المؤسسات التربوية. معدل الراتب للأستاذ الجامعي مثلاً لم يعد يكفي لتأمين حاجاته الأساسية، وفي بعض الحالات لم يعد يغطي حتى تكلفة الوصول إلى مقر عمله. هذا ما دفع قسماً من الأساتذة إلى ترك القطاع، وقسماً آخر ليس بقليل إلى ترك البلاد بالكامل.

 

هجرة الأساتذة والمدرسين، هي النزيف الأخطر الذي يصيب الإقتصاد اللبناني، ربما لم تظهر تداعياته الكارثية بعد، لكنه إذا لم يعالج سيصيب في الصميم، ليس الإقتصاد فقط، إنما معالم البلد الصغير وهويته الثقافية. لطالما كانت الموارد البشرية، ثروة لبنان الأولى والمصدر الأساس لميزاته التفاضلية. تلاشي قيمة رأس المال البشري ستنعكس تراجعاً في الإنتاجية، وتنافسية الإقتصاد، والواردات بما فيها، ومع الوقت، تحويلات اللبنانيين في الخارج.

 

وبالعودة إلى دولرة الأقساط، هذه الخطوة كان لا بد منها، ولا بديل أصلاً عنها، من قبل مؤسسات تفقد كل يوم مقومات البقاء. ولكنها أيضاً خطوة محفوفة بالمخاطر، ليس أقلها أن نستفيق على مدارس وجامعات شبه خالية من الطلاب. الإنهيار المالي وعجز السلطة الفاضح عن إيقافه أو حتى عن احتوائه وضعا سائر القطاعات بما فيها القطاع التربوي أمام معضلة شائكة: إما إقفال المؤسسات التربوية إن لم تعدّل أقساطها، أو إقفال أبواب التعليم على كثير من الطلاب إن هي فعلت ذلك.

 

فالدولرة زاحفة، لا توفر قطاعاً، لا شيء يوقفها، طالما خطة التعافي غائبة، والإصلاحات مجمّدة، وهدر الإحتياطي مستمر. وليكن واضحاً، الليرة لن تعود إلا مع عودة الإنتاج، وذلك مرهون بعودة الدولة واسترجاع مقومات سيادتها…أما سياسات التأجيل والمراوغة والهروب إلى الأمام فانتهت ليحل مكانها هروب اللبنانيين بمن فيهم الأساتذة والطلاب من بلد كان في الماضي القريب منارة للعلم والمعرفة.